responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 9  صفحه : 3635
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاهُ يَرْجِعَانِ إِلَى الْمُطِيعِ إِثَابَةً وَعِقَابِ الْعَاصِي، وَالْمُرَادُ بِالسَّبْقِ هُنَا وَالْغَلَبَةِ فِي أُخْرَى كَثْرَةُ الرَّحْمَةِ وَشُمُولِهَا، كَمَا يُقَالُ: غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ وَالشَّجَاعَةُ، إِذَا كَثُرَ مِنْهُ. أَقُولُ: وَلَوْ أُبْقِيَا عَلَى حَقِيقَتِهِمَا مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ الْمَجَازِ جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ رَحْمَتَهُ تَعَالَى سَابِقَةٌ عَلَى غَضَبِهِ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، فَإِنَّ أَوَّلَ الرَّحْمَةِ نِعْمَةُ الْإِيجَادِ، ثُمَّ نِعْمَةُ الْإِمْدَادِ، فَلَا يَخْلُو عَنِ النِّعْمَتَيْنِ أَحَدٌ مِنَ الْعِبَادِ، وَكَذَا مِنَحُهُ سُبْحَانَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مِحَنِهِ غَالِبَةٌ كَثِيرَةٌ شَامِلَةٌ لِعُمُومِ الْخَلَائِقِ، سَوَاءٌ مَنْ أَطَاعَهُ أَوْ عَصَاهُ فِي الْبِلَادِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَنَّ مَفْتُوحَةً بَدَلًا مِنْ كِتَابًا، وَمَكْسُورَةً حِكَايَةً لِمَضْمُونِ الْكِتَابِ، وَهُوَ عَلَى وَزْنِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] أَيْ أَوْجَبَ وَعْدًا أَنْ يَرْحَمَهُمْ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَى الْغَضَبِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفُورٌ كَرِيمٌ يَتَجَاوَزُ عَنْهُ بِفَضْلِهِ، وَأَنْشَدَ:
وَإِنِّي إِذَا أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
فَالْمُرَادُ بِالسَّبْقِ هُنَا الْقَطْعُ لِوُقُوعِهَا. قُلْتُ: لَا بُدَّ وَأَنْ يُخَصَّ بِالْمُؤْمِنِينَ مِمَّنْ تُعَلَّقُ الْمَشِيئَةُ بِمَغْفِرَتِهِمْ وَسَبْقُ الْإِرَادَةِ بِرَحْمَتِهِمْ، وَإِلَّا فَعَذَابُ الْكَافِرِ مَقْطُوعُ الْوُقُوعِ، بَلْ وَاجِبُ الْحُصُولِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وَالتَّخَلُّفُ فِي خَبَرِهِ غَيْرُ جَائِزٍ قَطْعًا، وَقَدْ حَرَّرْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي خُصُوصِ رِسَالَةٍ سَمَّيْتُهَا بِـ " الْقَوْلُ السَّدِيدِ فِي خَلْقِ الْوَعِيدِ ". (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

5701 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5701 - (وَعَنْ عَائِشَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ» ) أَيْ جِنْسُهُمْ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجَانُّ: الْجِنُّ، وَقَالَ شَارِحٌ: يَعْنِي أَبَا الْجِنِّ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمُقَابَلَتِهِ بِآدَمَ، ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ إِبْلِيسُ (مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) أَيْ لَهَبٍ مُخْتَلِطٍ بِسَوَادِ دُخَانِ النَّارِ. قَالَ تَعَالَى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] ، وَقَالَ: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: 27] (وَخُلِقَ آدَمُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ كَمَا قَبْلَهُ (مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ مِمَّا بَيَّنَهُ اللَّهُ لَكُمْ فِي قَوْلِهِ: خَلَقُهُ مِنْ تُرَابٍ، وَقَوْلِهِ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] ، وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26] ، وَقَوْلِهِ: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} [ص: 71] . وَلَعَلَّ كَثْرَةَ مَا وَرَدَ فِي حَقِّهِ مَعَ اشْتِهَارِهَا مَا أَوْجَبَتِ الْإِبْهَامَ فِي قَوْلِهِ: مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَكَذَا أَحْمَدُ. وَرَوَى الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي (الْكَامِلِ) بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ( «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابِ الْجَابِيَةِ وَعَجَنَهُ بِمَاءِ الْجَنَّةِ» ) . وَالْجَابِيَةُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ: قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ، وَبَابُ الْجَابِيَةِ مِنْ أَبْوَابِهَا. وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا ( «خُلِقَتِ النَّخْلَةُ وَالرُّمَّانُ وَالْعِنَبُ مِنْ فَضْلِ طِينَةِ آدَمَ» ) . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا ( «خَلَقَ الْحُورَ الْعِينَ مِنَ الزَّعْفَرَانِ» ) . وَرَوَى الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي (مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ) وَأَبُو الشَّيْخِ فِي (الْعَظَمَةِ) وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ: ( «خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجِنَّ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ وَخِشَاشُ الْأَرْضِ، وَصِنْفٌ كَالرِّيحِ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ عَلَيْهِمُ الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ، وَخَلَقَ اللَّهُ الْإِنْسَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ كَالْبَهَائِمِ، وَصِنْفٌ أَجْسَادُهُمْ أَجْسَادُ بَنِي آدَمَ وَأَرْوَاحُهُمْ أَرْوَاحُ الشَّيَاطِينِ، وَصِنْفٌ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» ) . وَفِي قَوْلِهِ: وَصِنْفٌ عَلَيْهِمُ الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ إِيمَاءً إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَوَقُّفِهِ فِي حَقِّ الْجِنِّ بِالثَّوَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 9  صفحه : 3635
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست