responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3364
وَالَّذِي هُوَ فِيهِ) أَيْ: وَلِلْأَمْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنَ الْمِحْنَةِ وَالْمَشَقَّةِ (الْيَوْمَ) أَيْ: فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّ بُكَاءَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّمَا كَانَ رَحْمَةً لَهُ وَشَفَقَةً عَلَيْهِ لِمَا رَآهُ مِنْ فَقْرِهِ وَفَاقَتِهِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ كَانَ عَزِيزًا فِي قَوْمِهِ، وَمُنْغَمِسًا فِي نِعْمَتِهِ، لَكِنْ يُنَافِيهِ بَعْضَ الْمُنَافَاةِ مَا وَقَعَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عُمَرَ، حَيْثُ بَكَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَجِعًا عَلَى حَصِيرِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَقَدْ أَثَّرَ الْحَصِيرُ عَلَى بَدَنِهِ الشَّرِيفِ، وَتَذَكَّرَ عُمَرُ تَنَعُّمَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَقَالَ لَهُ: " أَنْتَ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَا عُمَرُ؟ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ؟ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْبُكَاءُ عَلَى الْفَرَحِ فِي أَنَّهُ وَجَدَ فِي أُمَّتِهِ مَنِ اخْتَارَ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالَ عَلَى الْعُقْبَى، أَوْ عَلَى الْحُزْنِ فِي فَقْدِ مَا عِنْدَهُ مِنْ بَعْضِ الْمُسَاعَدَةِ لِبَعْضِ الْكِسْوَةِ، أَوْ لِمُعَاوَنَةٍ فِي بَعْضِ الْمَعِيشَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَيُؤَيِّدُ تَأْوِيلَنَا نَقْلُ الرَّاوِي.
(ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كَيْفَ ") أَيِ: الْحَالُ (" بِكُمْ إِذَا غَدَا ") أَيْ: ذَهَبَ أَوَّلَ النَّهَارِ (" أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ ") بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ، أَيْ: فِي ثَوْبٍ، أَوْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ (" وَرَاحَ ") أَيْ: ذَهَبَ آخِرَ النَّهَارِ (فِي حُلَّةٍ ") ؟ أَيْ أُخْرَى مِنَ الْأُولَى.
قَالَ ابْنُ الْمَلِكِ: أَيْ: كَيْفَ يَكُونُ حَالُكُمْ إِذَا كَثُرَتْ أَمْوَالُكُمْ بِحَيْثُ يَلْبَسُ كُلٌّ مِنْكُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ حُلَّةً وَآخِرَهُ أُخْرَى مِنْ غَايَةِ التَّنَعُّمِ؟ (" وَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ ") أَيْ: قَصْعَةٌ مِنْ مَطْعُومٍ (" وَرُفِعَتْ أُخْرَى ") أَيْ: مِنْ نَوْعٍ آخَرَ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُتْرَفِينَ مِنْ طَائِفَةِ الْأَرْوَامِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ أَصْنَافِ الْأَطْعِمَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الْأَطْبَاقِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُتَنَعِّمِينَ مِنْ طَبَقَةِ الْأَعْجَامِ (" وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ ") بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا أَيْ: جُدْرَانَهَا، وَالْمَعْنَى: زَيَّنْتُمُوهَا بِالثِّيَابِ النَّفِيسَةِ مِنْ فَرْطِ التَّنْعِيمِ، (" كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ ") وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَتْرَهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهَا لِامْتِيَازِهَا.
(فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنَّا الْيَوْمَ ") وَبَيَّنُوا سَبَبَ الْخَيْرِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ مُسْتَأْنَفًا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ (نَتَفَرَّغُ) أَيْ: عَنِ الْعَلَائِقِ وَالْعَوَائِقِ (لِلْعِبَادَةِ) ، أَيْ بِأَنْفُسِنَا (وَنُكْفَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ الْمُتَكَلِّمِ (الْمُؤْنَةَ) أَيْ: بِخَدَمِنَا، وَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، فَالْمَعْنَى: نَدْفَعُ عَنَّا تَحْصِيلَ الْقُوتِ لِحُصُولِهِ بِأَسْبَابٍ مُهَيَّأَةٍ لَنَا، فَنَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ مِنْ تَحْصِيلِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْعَمَلِ بِالْخَيْرَاتِ الْمَدَنِيَّةِ، وَالْمَبَرَّاتِ الْمَالِيَّةِ (قَالَ) وَفَى نُسْخَةٍ فَقَالَ: (" لَا ") أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَنْتُمْ (" أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ ") ; لِأَنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لَهُ كَفَافُ خَيْرٍ مِنَ الْغَنِيِّ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَشْتَغِلُ بِدُنْيَاهُ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ مِثْلَ مَنْ لَهُ كَفَافٌ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ بِتَحْصِيلِ الْمَالِ، فَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَفْضِيلِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ عَلَى الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، فَإِنَّ الْغَنِيَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَقْوِيَاءُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَمَا بَالُ غَيْرِهِمْ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي الْفِرْدَوْسِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَا زُوِيَتِ الدُّنْيَا عَنْ أَحَدٍ إِلَّا كَانَتْ خَيْرَةً لَهُ» ، أَقُولُ: قَوْلُهُ: عَنْ أَحَدٍ عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ الْكَافِرَ الْفَقِيرَ عَذَابُهُ أَخَفُّ مِنَ الْكَافِرِ الْغَنِيِّ فِي النَّارِ، فَإِذَا نَفَعَ الْفَقْرُ الْكَافِرَ فِي تِلْكَ الدَّارِ، فَكَيْفَ لَا يَنْفَعُ الْمُؤْمِنَ الصَّابِرَ فِي دَارِ الْقَرَارِ؟ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

5367 - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ، الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِسْنَادًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5367 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ ") أَيْ: فِي أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ (" عَلَى دِينِهِ ") أَيْ: عَلَى حِفْظِ أَمْرِ دِينِهِ بِتَرْكِ دُنْيَاهُ (" كَالْقَابِضِ ") أَيْ: كَصَبْرِ الْقَابِضِ فِي الشِّدَّةِ وَنِهَايَةِ الْمِحْنَةِ (" عَلَى الْجَمْرِ ") : جَمْعُ الْجَمْرَةِ هِيَ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجُمْلَةُ صِفَةُ " زَمَانٌ "، وَالرَّاجِعُ مَحْذُوفٌ أَيِ: الصَّابِرُ فِيهِ، وَفِيهِ أَنَّ الرَّابِطَ مَذْكُورٌ فِيهِ بِقَوْلِهِ (فِيهِمْ) كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ سَابِقًا، قَالَ: وَالْمَعْنَى كَمَا لَا يَقْدِرُ الْقَابِضُ عَلَى الْجَمْرِ أَنْ يَصْبِرَ بِإِحْرَاقِ يَدِهِ، كَذَلِكَ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3364
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست