responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3337
عَظِيمَةٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الشِّرَّةَ يَتْبَعُهَا فَتْرَةٌ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَصِدًا مُحْتَرِزًا عَنْ جَانِبَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ وَسَالِكًا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ، فَأَرْجُو كَوْنَهُ مِنَ الْفَائِزِينَ الْكَامِلِينَ، وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْإِفْرَاطِ حَتَّى يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، فَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ وَلَا تُعَوِّلُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ مِنَ الْهَالِكِينَ، لَكِنْ لَا تَجْزِمُوا بِأَنَّهُ مِنَ الْخَاسِرِينَ، وَلَا تَعُدُّوهُ مِنْهُمْ، لَكِنْ لَا تَرْجُوهُ كَمَا رَجَوْتُمُ الْمُقْتَصِدَ إِذْ قَدْ يَعْصِمُ اللَّهُ فِي صُورَةِ الْإِفْرَاطِ وَالشُّهْرَةِ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَعْفُو عَنْ صَاحِبِ التَّفْرِيطِ وَرَاعَى التَّقْصِيرَ فِي الْعِبَادَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَلِيهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ فَتَرَكَ مَا لِلْقِسْمِ الثَّالِثِ لِظُهُورِهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَلَفْظُهُ: " «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ» ".

5326 - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ» " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي (شُعَبِ الْإِيمَانِ) [5326] .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5326 - (وَعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " بِحَسْبِ امْرِئٍ ") : الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ يَكْفِيهِ (" مِنَ الشَّرِّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا ") : فَإِنَّ مَنِ اشْتَهَرَ بِخَصْلَةٍ قَلَّمَا سَلِمَ مِنَ الْآفَاتِ الْخَفِيَّةِ كَالْكِبْرِ، وَالْعُجْبِ، وَالرِّيَاءِ، وَالسُّمْعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الدَّنِيَّةِ، (" إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ ") ، أَيْ: حَفِظَهُ اللَّهُ فِي مَقَامِ تَقْوَاهُ، وَلِذَا اخْتَارَ طَائِفَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ طَرِيقَ الْمَلَامِيَّةِ فِي كِتْمَانِ الْعِبَادَاتِ الدِّينِيَّةِ إِظْهَارًا لِلشَّهَوَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ الدَّنِيَّةِ. قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَشَارُوا إِلَيْكَ بِالْأَصَابِعِ، فَقَالَ: لَا يُرِيدُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ الْمُبْتَدِعَ فِي دِينِهِ الْفَاسِقَ فِي دُنْيَاهُ، انْتَهَى. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْبِدْعَةِ وَالْغَرَابَةِ، لَكِنْ قَدْ تُوجَدُ فِي الْكَثْرَةِ الْمُجَاوِزَةِ عَنْ حَدِّ الْعَادَةِ، فَيَحْصُلُ بِهِ الْإِشَارَةُ، وَالشِّرَّةُ، فَتَارَةً تُفْضِي بِصَاحِبِهَا إِلَى الرِّيَاءِ، وَالسُّمْعَةِ، وَالطَّمَعِ مِنَ النَّاسِ فِي الْمَنْزِلَةِ، وَتَارَةً يَعْصِمُهُ اللَّهُ مِنْ نَظَرِ مَا سِوَاهُ، فَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهِ، وَيَعْرِفُ أَنَّ الْغَيْرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الشَّرِّ، وَلَا جَلْبِ الْخَيْرِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَلْقِ مَدْحًا وَذَمًّا، لَا فِي الْعِبَارَةِ وَلَا فِي الْإِشَارَةِ، فَإِنَّهُ مَا أَيْسَرَ الدَّعْوَى، وَمَا أَعْسَرَ الْمَعْنَى، فَهَذِهِ حَالَةٌ فِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْبِشَارَةِ، لَكِنَّهُ مَزَلَّةُ الْأَقْدَامِ لِلرِّجَالِ، وَمَزْلَقَةُ أَفْهَامِ الْجِبَالِ، كَمَا وَرَدَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ الْخَلْقُ عِنْدَهُ كَالْأَبَاعِرِ.
وَتَوْضِيحُهُ مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَحْسَنِ عِبَارَةٍ وَأَزْيَنِ إِشَارَةٍ، حَيْثُ قَالَ: وَبَيْنَ الْحَالِ يَعْنِي حُبَّ الرِّيَاسَةِ وَالْجَاهِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، هُوَ مِنْ أَحَرِّ غَوَائِلِ النَّفْسِ وَمُوَاطِنِ مَكَائِدِهَا، يُبْتَلَى بِهِ الْعُلَمَاءُ، وَالْعُبَّادُ، وَالْمُشَمِّرُونَ عَنْ سَاقِ الْجِدِّ لِسُلُوكِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ مِنَ الزُّهَّادِ، فَإِنَّهُمْ مَهْمَا قَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَفَطَمُوهَا عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَصَانُوهَا عَنِ الشُّبُهَاتِ، وَحَمَلُوهَا بِالْقَهْرِ عَلَى أَصْنَافِ الْعِبَادَاتِ، عَجَزَتْ نُفُوسُهُمْ عَنِ الطَّمَعِ فِي الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْجَوَارِحِ، فَطَلَبَتِ الِاسْتِرَاحَةَ إِلَى التَّظَاهُرِ بِالْخَيْرِ، وَإِظْهَارِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَوَجَدَتْ مَخْلَصًا مِنْ مَشَقَّةِ الْمُجَاهَدَةِ إِلَى لَذَّةِ الْقَبُولِ عِنْدَ الْخَلَائِقِ، وَلَمْ تَقْنَعْ بِاطِّلَاعِ الْخَالِقِ، وَفَرِحَتْ بِحَمْدِ النَّاسِ، وَلَمْ تَقْنَعْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَحْدَهُ، فَأَحَبَّ مَدْحَهُمْ وَتَبَرُّكَهُمْ بِمُشَاهَدَتِهِ، وَخِدْمَتِهِ، وَإِكْرَامِهِ، وَتَقْدِيمِهِ فِي الْمَحَافِلِ، فَأَصَابَتِ النَّفْسَ فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ اللَّذَّاتِ وَأَلَذُّ الشَّهَوَاتِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ حَيَاتَهُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَاتِهِ، وَإِنَّمَا حَيَاتُهُ بِهَذِهِ الشَّهَوَاتِ الْخَفِيَّةِ، الَّتِي تَعْمَى عَنْ دَرَكِهَا إِلَّا الْعُقُولَ النَّاقِدَةَ، قَدْ أَثْبَتَ اسْمَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ الْمُقَرَّبِينَ، فَهَذِهِ مَكِيدَةٌ لِلنَّفْسِ لَا يَسْلَمُ عَنْهَا إِلَّا الصِّدِّيقُونَ مِنَ الْمُخْلِصِينَ ; وَلِذَلِكَ قِيلَ: آخِرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ رُءُوسِ الصَّدِّيقِينَ حُبُّ الرِّيَاسَةِ، وَهُوَ أَعْظَمُ شَبَكَةٍ لِلشَّيَاطِينِ، فَإِذَا الْمَحْمُودُ هُوَ الْمَخْمُولُ إِلَّا مَنْ شَهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَشْرِ دِينِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ مِنْهُ كَالْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُرْسَلِينَ، وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ، وَالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ ") أَيْ: عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3337
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست