responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3138
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ تُحْمَلَ الْغِبْطَةُ هُنَا عَلَى اسْتِحْسَانِ الْأَمْرِ الْمَرَضِيِّ الْمَحْمُودِ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْبَطُ إِلَّا فِي الْأَمْرِ الْمَحْبُوبِ الْمَرَضِيِّ، كَانَ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَحْمَدُونَ إِلَيْهِمُ، الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّهُ «غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَبُوكَ قَالَ: فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لِلْوُضُوءِ، وَحُمِلَتْ مَعَ إِدَاوَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَأَدْرَكَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ. فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: (أَحْسَنْتُمْ) أَوْ قَالَ: (أَصَبْتُمْ) يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا» ، فَقَوْلُهُ: يَغْبِطُهُمُ إِلَخْ. كَلَامُ الرَّاوِي تَفْسِيرًا وَبَيَانًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ» " قَالَ: وَأَيْضًا لَا يَبْعُدُ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ فِي الْمَحْشَرِ قَبْلَ دُخُولِ النَّاسِ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، لِقَوْلِهِ يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ الْآتِي: لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَالتَّعْرِيفُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَيَحْصُلُ لِهَؤُلَاءِ الْأَمْنُ وَالْفَرَاغُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَا لَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِمْ لِاشْتِغَالِهِمْ بِحَالِ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ حَالِ أُمَّتِهِمْ، فَيَغْبِطُونَهُمْ لِذَلِكَ اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَيَحْصُلُ لِهَؤُلَاءِ مِنَ الْأَمْنِ مَا لَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِمْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام: 82] . وَأَيْضًا تَصَوُّرُ أَمْنِ الْمُتَحَابِّينَ وَخَوْفِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ خَطَأٌ فَاحِشٌ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا يُشْعِرُ بِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَالْعُلَمَاءُ عَامِلُونَ فِي تَأْوِيلِهِ بِوَجْهٍ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ، وَكَذَا قَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ: يَغْبِطُهُمْ وَقْتَ الْحِسَابِ قَبْلَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ يَعْنِي هُمْ عَلَى الْمَنَابِرِ وَالْخَلْقِ فِي الْحِسَابِ اهـ. وَهُوَ بِظَاهِرِهِ عُدُولٌ عَنْ صَوْبِ الصَّوَابِ.

5012 - وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءٍ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: " هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ، عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزَنَ النَّاسُ " وَقَرَأَ الْآيَةَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5012 - (وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ) أَيِ: الْكَامِلِينَ فِي الْإِيمَانِ الْعَامِلِينَ بِالْإِحْسَانِ (لَأُنَاسًا) أَيْ: جَمَاعَةً عَظِيمَةً مِنَ الْأَوْلِيَاءِ (مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءٍ وَلَا شُهَدَاءٍ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ) أَيْ: مِمَّنْ فَاتَهُمُ التَّزَاوُرُ، وَإِلَّا فَالتَّحَابُبُ وَالتَّجَالُسُ لِلَّهِ بَيْنَ كُلِّ نَبِيٍّ وَأُمَّتِهِ حَاصِلٌ بِلَا شُبْهَةٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّحَابُبِ وَنَحْوِهِ وُجُودُ الْفِعْلِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنَ (وَالشُّهَدَاءُ) أَيْ: مِمَّنْ فَاتَهُمُ الْمُجَالَسَةُ وَنَحْوُهَا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ) أَيْ: بِمَنْزِلَةِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَحَابِّينَ وَمَكَانَتِهِمْ وَمَرْتَبَتِهِمُ الزَّائِدَةِ عَلَى غَيْرِ (مِنَ اللَّهِ) . أَيْ: مِنْ قُرْبِهِ سُبْحَانَهُ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تُخْبِرُنَا) : بِهَمْزَةٍ مُقَدَّرَةٍ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْأَدَبِ أَوْ خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِمَعْنَى الِالْتِمَاسِ، أَيْ: أَخْبِرْنَا (مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا) : اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا سَبَقَ مِنَ التَّجَالُسِ وَالتَّزَاوُرِ وَالتَّبَادُلِ فَرْعُ التَّحَابُبِ، وَالْمَعْنَى تَحَابَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (بِرُوحِ اللَّهِ) ، بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ مَا يَحْيَا بِهِ الْخَلْقُ، وَيَكُونُ حَيَاةً لَهُمْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِفَتْحِهَا، فَفِي النِّهَايَةِ: الرَّوْحُ بِفَتْحِ الرَّاءِ نَسِيمُ الرِّيحِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ بِإِذْنِ اللَّهِ أَوْ بِنَفْخَةٍ مِنْ نَفَخَاتِهِ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ أَيْ: لَأَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ مِنْ قِبَلِ الْيَمِينِ، وَإِنَّ لِلَّهِ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، أَلَا فَتَعَرَّضُوا لَهَا، فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ لَمْ تَحْصُلْ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَا تُوجَدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ ; لِأَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى جَذْبَةٍ مِنْ جَذَبَاتِ الْحَقِّ تُوَازِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ، وَالتَّحَابُبُ سَبَبُ التَّجَاذُبِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الضَّمِّ فَقَالَ الْقَاضِي: الرُّوحُ بِضَمِّ الرَّاءِ، قِيلَ أَرَادَ بِهِ هُنَا الْقُرْآنَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52] سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْيَا بِهِ الْقَلْبُ، كَمَا يَحْيَا بِالرُّوحِ الْبَدَنُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَتَحَابُّونَ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعَةِ الْقُرْآنِ، وَمَا حَثَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ مُوَالَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَمُصَادَقَتِهِمُ اهـ.
وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ النَّسَبَ الدَّاعِيَ إِلَى تَحَابُبِهِمْ هُوَ الْوَحْيُ الْمُنَزَّلُ الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ لَا شَيْءَ آخَرَ مِنَ الْأَغْرَاضِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الرُّوحِ الْمَحَبَّةُ ; فَإِنَّهُ يُقَالُ: أَنْتَ رُوحِي أَيْ: مَحْبُوبِي كَالرُّوحِ أَيْ: تَحَابُّوا بِمَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْمَحَبَّةِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَمَّا قَوْلُ الطِّيبِيُّ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} [مريم: 17] فَبَعِيدٌ جِدًّا إِذِ الْمُرَادُ بِهِ جِبْرِيلُ بِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ، وَسُمِّي رُوحًا ; لِأَنَّ الدِّينَ يَحْيَا بِهِ وَوَحْيُهُ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3138
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست