responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3128
4994 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا مَنْ أَحَبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ، وَلِسَانُهُ، وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4994 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ) : بِالتَّخْفِيفِ وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهُ فَفِي الْقَامُوسِ قَسَمَهُ وَقَسَّمَهُ جَزَّأَهُ، وَالْمَعْنَى قَدَّرَ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ (بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ) أَيْ: أَعْمَالَكُمْ، وَأَحْوَالَكُمْ ( «كَمَا قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ» ) أَيْ: أَمْوَالَكُمْ سَوَاءٌ حَرَامَكُمْ وَحَلَالَكُمْ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32] إِلَى أَنْ قَالَ: " {وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32] " اللَّهُمَّ فَحَسِّنْ أَخْلَاقَنَا، وَطَيِّبْ أَرْزَاقَنَا. ( «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الدُّنْيَا» ) أَيِ: الْأَرْزَاقَ الدُّنْيَوِيَّةَ الدَّنِيَّةَ (مَنْ يُحِبُّ) أَيْ: مَنْ يُحِبُّهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَوْلِيَاءِ كَسُلَيْمَانَ وَعُثْمَانَ (وَمَنْ لَا يُحِبُّ) ، أَيْ: وَيُعْطِيهَا أَيْضًا مَنْ لَا يُحِبُّهُ كَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ، قَالَ تَعَالَى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء: 20] ، (وَلَا يُعْطِي الدِّينَ) أَيِ: الْأَخْلَاقَ الْحَسَنَةَ، وَالْآدَابَ الْمُسْتَحْسَنَةَ (إِلَّا مَنْ أَحَبَّ) : قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: التَّصَوُّفُ هُوَ الْخُلُقُ، فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ، فَقَدْ زَادَ عَلَيْكَ فِي التَّصَوُّفِ ( «فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ» ) أَيْ: سَوَاءٌ أَعْطَاهُ الدُّنْيَا أَمْ لَا، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَنْ جُمِعَ لَهُ بَيْنَ الْأَرْزَاقِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالْأَخْلَاقِ الدِّينِيَّةِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّنِ اقْتَصَرَ لَهُ عَلَى الدِّينِ مَعَ قَدْرِ كِفَايَتِهِ مِنَ الدُّنْيَا، كَمَا يَتَبَادَرُ إِلَى فَهْمِ أَرْبَابِ الْعُقُولِ النَّاقِصَةِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، وَمَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى» ". وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: " «أَجْوَعُكُمْ فِي الدُّنْيَا أَشْبَعُكُمْ فِي الْآخِرَةِ» ". وَوَرَدَ أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ بِخَمْسِمَائَةِ عَامٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الْعَشْرَةِ الْمُبَشَّرَةِ، يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ أَمِ الْغَنِيَّ الشَّاكِرَ؟ وَإِجْمَاعُ الصُّوفِيَّةِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَقِيرُ الشَّاكِرُ أَفْضَلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّفْوِيضُ وَالتَّسْلِيمُ أَكْمَلُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ دَخْلٌ فِي الْبَحْثِ، بَلْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 30] ، وَقَدْ بَسَطْتُ فِي الْجُمْلَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ حِزْبِ الْفَتْحِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَكْرِيِّ، وَالْعَاقِلُ يَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَطْوِيلِ الْعِبَارَةِ، وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِقْصَاءَ فَعَلَيْهِ بِكِتَابِ الْإِحْيَاءِ. (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ) أَيْ: إِسْلَامًا كَامِلًا مُطَابِقًا لِمُسَمَّاهُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، وَمُوَافِقًا وَصْفُهُ لِمَأْخَذِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالسَّلَامَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَدَارَ الْخُلُقِ الْحَسَنِ عَلَى تَرْكِ الْإِسَاءَةِ وَإِحْسَانِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، إِذْ هُمَا مَنْبَعُ الْأَخْلَاقِ، وَأَحَدُهُمَا تُرْجُمَانُ الْآخَرِ، فَإِنَّ الْإِنَاءَ يَتَرَشَّحُ بِمَا فِيهِ. (حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ) ، وَفِي نُسْخَةٍ يَسْلَمُ بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى يَنْقَادُ (وَلَا يُؤْمِنُ) أَيْ: عَبَدٌ إِيمَانًا تَامًّا (حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ) أَيْ: خُصُوصًا أَوْ مَثَلًا (بَوَائِقَهُ) . أَيْ: شُرُورَهُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الدُّنْيَا كَالنَّشْرِ لِمَا لَفَّ قَبْلَهُ، وَأَشَارَ بِالدُّنْيَا إِلَى الْأَرْزَاقِ، وَبِالدِّينِ إِلَى الْأَخْلَاقِ لِيُشْعِرَ بِأَنَّ الرِّزْقَ الَّذِي يُقَابِلُ الْخُلُقَ هُوَ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، وَأَنَّ الْأَخْلَاقَ الْحَمِيدَةَ لَيْسَتْ غَيْرَ الدِّينِ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] . ثُمَّ أَتَى بِمَا يُفَضِّلُ الدِّينَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْخَارِجَةِ وَالدَّاخِلَةِ مِنَ الِانْقِيَادِ وَالتَّصْدِيقِ، كَمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ» بَعْدَ ذِكْرِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، وَفَسَّرَهُمَا بِمَا يُنْبِئُ عَنِ الْأَخْلَاقِ، وَخَصَّ الْقَلْبَ وَاللِّسَانَ بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّ مَدَارَ الْإِنْسَانِ عَلَيْهِمَا، كَمَا وَرَدَ فِي الْمَثَلِ: الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ، فَإِسْلَامُ اللِّسَانِ كَفُّهُ عَمَّا فِيهِ آفَاتُهُ وَهِيَ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ، وَإِسْلَامُ الْقَلْبِ تَطْهِيرُهُ عَنِ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ، وَالْآرَاءِ الزَّائِفَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، ثُمَّ تَحْلِيَتُهُمَا بِمَا يُخَالِفُهُمَا.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3128
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست