responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 6  صفحه : 2330
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا: خُذُوا عَنِّي. الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الزِّنَا لِقِلَّةِ الْمَعَارِفِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الدَّاعِيَةُ إِلَى ذَلِكَ، وَلِذَا قِيلَ لِامْرَأَةٍ مِنَ الْعَرَبِ: مَا حَمَلَكِ عَلَى الزِّنَا مَعَ فَضْلِ عَقْلِكِ؟ قَالَتْ: طُولُ السَّوَادِ وَقُرْبُ الْوِسَادِ. وَالسَّوَادُ الْمُسَارَّةُ مِنْ سَاوَدَهُ إِذَا سَارَّهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] شَارِعًا فِي بَيَانِ حُكْمِ الزِّنَا، فَكَانَ الْمَذْكُورُ تَمَامَ حُكْمِهِ، وَإِلَّا كَانَ تَجْهِيلًا إِذْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ تَمَامُ الْحُكْمِ، وَلَيْسَ تَمَامَهُ فِي الْوَاقِعِ، فَكَانَ مَعَ الشُّرُوعِ فِي الْبَيَانِ أَبْعَدَ مِنْ تَرْكِ الْبَيَانِ ; لِأَنَّهُ يُوقِعُ فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ، وَذَاكَ فِي الْبَسِيطِ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْهُومُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ جَزَاءَ الشَّرْطِ، فَيُفِيدَ أَنَّ الْوَاقِعَ هَذَا فَقَطْ، وَلَوْ ثَبَتَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ كَانَ مُثْبِتُهُ مُعَارِضًا لَا مُبَيِّنًا لِمَا سَكَتَ عَنْهُ الْكِتَابُ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ الْمَمْنُوعَةُ نَعَمْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، فَتَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ اتِّفَاقًا، وَالْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ عَدَلَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إِلَى ادِّعَاءِ نَسْخِ هَذَا الْخَبَرِ مُسْتَأْنِسًا لَهُ بِنَسْخِ شَطْرِهِ الثَّانِي، وَهُوَ الدَّالُّ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ، فَكَذَا نِصْفُهُ الْآخَرُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُرْوَى جُمَلٌ بَعْضُهَا نُسِخَ وَبَعْضُهَا لَا، وَلَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ، وَادَّعَى أَنَّهُ آحَادٌ لَا مَشْهُورٌ، وَتَلَقَّى الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ إِنْ كَانَ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَمَمْنُوعٌ لِظُهُورِ الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى صِحَّتِهِ بِمَعْنَى صِحَّةِ سَنَدِهِ فَكَثِيرٌ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ كَذَلِكَ، فَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا آحَادٌ، وَقَدْ خُطِّئَ مِنْ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصِيرُ قَطْعِيًّا وَادَّعَى فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ، وَغَلِطَ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِذَا كَانَ آحَادًا وَقَدْ تَطَرَّقَ إِلَيْهِ احْتِمَالُ النَّسْخِ بِقَرِينَةِ نَسْخِ شَطْرِهِ فَلَا شَكَّ أَنْ يَنْزِلَ عَنِ الْآحَادِ الَّتِي لَمْ يَتَطَرَّقْ ذَلِكَ إِلَيْهَا فَأَحْرَى أَلَّا يُنْسَخَ بِهِ، مَا أَفَادَهُ الْكِتَابُ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْمُوجِبِ الْجَلْدُ ; فَإِنَّهُ يُعَارِضُهُ فِيهِ لَا أَنَّ الْكِتَابَ سَاكِتٌ عَنْ نَفْيِ التَّغْرِيبِ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ التَّغْرِيبُ بِطَرِيقِ الْحَدِّ فَإِنَّ أَقْصَى مَا فِيهِ دَلَالَةُ قَوْلِهِ: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» . فَهُوَ عَطْفُ وَاجِبٍ عَلَى وَاجِبٍ وَهُوَ لَا يَقْتَضِيهِ، بَلْ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِنَفْيِ عَامٍ» ، وَإِقَامَةُ الْحَدِّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ مِنَ الْحَدِّ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ فَجَازَ كَوْنُهُ تَغْرِيبًا لِمَصْلَحَةٍ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَرَأَى أَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى الرَّجُلِ بِقَوْلِهِ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ فَلَمْ تَدْخُلِ الْمَرْأَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمَوَاقِعِ الَّتِي تُثْبِتُ الْأَحْكَامَ فِي النِّسَاءِ بِالنُّصُوصِ الْمُفِيدَةِ إِيَّاهَا لِلرِّجَالِ بِتَقَرُّحِ الْمَنَاطِ وَأَيْضًا فَإِنَّ نَفْسَ الْحَدِيثِ يَجِبُ أَنْ يَشْمَلَهُنَّ ; فَإِنَّهُ قَالَ: عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ الْحَدِيثَ فَنَصَّ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ وَالْجَلْدَ سَبِيلٌ لَهُنَّ، وَالْبِكْرُ يُقَالُ عَلَى الْأُنْثَى أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ. ثُمَّ عَارَضَ مَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مِنَ الْمَعْنَى بِأَنَّ فِي النَّفْيِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ لِانْفِرَادِهَا عَنِ الْعَشِيرَةِ وَعَمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُمْ إِنْ كَانَ لَهَا شَهْوَةٌ قَوِيَّةٌ فَتَفْعَلُهُ، وَقَدْ تَفْعَلُ لِحَامِلٍ آخَرَ وَهُوَ حَاجَتُهَا إِلَى مَا يُقَوِّمُ أَوَدَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى فِي إِفْضَائِهِ إِلَى الْفَسَادِ أَرْجَحُ مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ إِفْضَاءِ قِلَّةِ الْمَعَارِفِ إِلَى عَدَمِ الْإِفْسَادِ خُصُوصًا فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ لِمَنْ شَاهَدَ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي الْبِكْرِ يَزْنِي بِالْبِكْرِ: يُجْلَدَانِ مِائَةً وَيُنْفَيَانِ سَنَةً. قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَسْبُهُمَا مِنَ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: غَرَّبَ عُمَرُ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إِلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ، فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا. نَعَمْ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ مَصْلَحَةٌ فِي التَّغْرِيبِ تَعْزِيرًا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَهُوَ مَحَلُّ التَّغْرِيبِ الْوَاقِعِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَهَذَا التَّغْرِيبُ كَمَا غَرَّبَ عُمَرُ نَصْرَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَغَيْرَهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ افْتَتَنَ بِجَمَالِهِ بَعْضُ النِّسَاءِ حِينَ سَمِعَ قَوْلَ قَائِلَةٍ:
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ... أَمْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
إِلَى فَتًى مَاجِدِ الْأَعْرَاقِ مُقْتَبِلٍ ... سَهْلِ الْمُحَيَّا كَرِيمٍ غَيْرِ مِلْجَاجِ
وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ نَفْيًا، وَعَلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ الْمُحَقِّقِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَعَنَّا بِهِمْ، وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ يُغَرِّبُونَ الْمُرِيدَ إِذَا بَدَا مِنْهُ قُوَّةُ نَفْسٍ وَلَجَاجٌ لِتَنْكَسِرَ نَفْسُهُ، وَتَلِينَ وَمِثْلُ هَذَا الْمُرِيدِ أَوْ مَنْ هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْقَاضِي فِي التَّغْرِيبِ ; لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي نَدَمٍ وَشِدَّةٍ، وَإِنَّمَا زَلَّ زَلَّةً لِغَلَبَةِ النَّفْسِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَحْيِ وَلَهُ حَالٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ لِغَلَبَةِ النَّفْسِ فَنَفْيُهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يُوَسِّعُ طَرِيقَ الْفَسَادِ وَيُسَهِّلُهَا عَلَيْهِ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 6  صفحه : 2330
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست