responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1576
بِالنَّفَائِسِ مِنْ قَوْلِهِمْ: كَرَائِمُ الْأَمْوَالِ لِنَفَائِسِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: ( «إِيَّاكُمْ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِكُمْ» ) وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ شَجَرُ الْعِنَبِ كَرْمًا، لِأَنَّهُ أَطْيَبُ الثَّمَرَةِ، قَرِيبُ التَّنَاوُلِ سَهْلُ الْمَأْخَذِ بِخِلَافِ النَّخْلِ. وَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْهُ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِهِ، فَيُعْطِي مِنْ غَيْرِ مُوعِدَةٍ، وَيَعْفُو عَنْ مَقْدِرَةٍ، وَيَتَجَنَّبُ عَنِ الْأَخْلَاقِ الْمُرْدِيَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُؤْذِيَةِ.
(الرَّقِيبُ) : أَيِ: الْحَفِيظُ الَّذِي يُرَاقِبُ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ أَحْوَالَ الْعِبَادِ وَأَفْعَالَهُمْ، وَيُحْصِي عَدَدَ أَنْفَاسِهِمْ، وَيَعْلَمُ آجَالَهُمْ، فَمَرْجِعُهُ إِلَى صِفَةِ الذَّاتِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] ، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52] وَحَظُّكَ مِنْهُ أَنْ تُرَاقِبَهُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَلَا تَلْتَفِتَ إِلَى غَيْرِهِ فِي سُؤَالٍ، وَتَكُونَ رَقِيبًا خُصُوصًا عَلَى مَنْ جَعَلَكَ رَاعِيًا عَلَيْهِ، فَتَكُونُ مُرَاعِيًا وَمُتَوَجِّهًا فِي أَحْوَالِهِ إِلَيْهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ ( «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعَيِّتِهِ» ) .
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: الْمُرَاقَبَةُ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنْ يَصِيرَ الْغَالِبَ عَلَى الْعَبْدِ ذِكْرُهُ لِرَبِّهِ بِقَلْبِهِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ تَعَالَى فِي كُلِّ حَالٍ، وَيَخَافُ سَطَوَاتِ عُقُوبَتِهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ، وَيَهَابُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَصَاحِبُ الْمُرَاقَبَةِ يَدَعُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ وَهَيْبَةً لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتْرُكُ مِنْ بِدَعِ الْمَعَاصِي لِخَوْفِ عُقُوبَتِهِ، وَإِنَّ مَنْ رَاعَى قَلْبَهُ عَدَّ مَعَ اللَّهِ أَنْفَاسَهُ فَلَا يُضَيِّعُ مَعَ اللَّهِ نَفَسًا، وَلَا يَخْلُو عَنْ طَاعَتِهِ لَحْظَةً، كَيْفَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يُحَاسِبُهُ عَلَى كُلِّ مَا قَلَّ وَجَلَّ.
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي وَأَحْسَنَ إِلَيَّ إِلَّا أَنَّهُ حَاسَبَنِي حَتَّى طَالَبَنِي بِيَوْمٍ كُنْتُ صَائِمًا، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْإِفْطَارِ أَخَذْتُ حِنْطَةً مِنْ حَانُوتِ صَدِيقٍ لِي، فَكَسَرْتُهَا فَذَكَرْتُهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِي، فَأَلْقَيْتُهَا عَلَى حِنْطَتِهِ، فَأُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِي مِقْدَارُ أَرْشِ كَسْرِهَا. وَمَنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ لَمْ يُزْجِ فِي الْبَطَالَاتِ عُمْرَهُ وَلَمْ يَمْحَقْ فِي الْغَفَلَاتِ وَقْتَهُ. اهـ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18] وَفِي الْخَبَرِ: ( «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا» ) .
(الْمُجِيبُ) : هُوَ الَّذِي يُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَاهُ، وَيُسْعِفُ الْمُضْطَرَّ إِلَى مَا اسْتَدْعَاهُ وَتَمَنَّاهُ، وَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْهُ أَنَّهُ يُجِيبُ مَوْلَاهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلِيُؤْمِنُوا بِي} [البقرة: 186] ثُمَّ يَتَلَقَّى عِبَادَهُ بِإِسْعَافِ سُؤَالِهِمْ وَإِلْطَافِ جَوَابِهِمْ.
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: فِي الْخَبَرِ: ( «إِنَّ اللَّهَ يَسْتَحِي أَنْ يَرُدَّ يَدَيْ عَبْدِهِ صِفْرًا» ) وَأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا عَلِمَ مَنْ أَحْضَرَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ حَاجَتَهُمْ بِبَالِهِمْ يُحَقِّقُ لَهُمْ مُرَادَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرُوهُ بِلِسَانِهِمْ، وَرُبَّمَا يُضَيِّقَ عَلَيْهِمُ الْحَالَ، حَتَّى إِذَا يَئِسُوا وَظَنُّوا أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُمْ يَتَدَارَكُهُمْ بِحُسْنِ إِيجَادِهِ وَجَمِيلِ إِمْدَادِهِ. اهـ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28] وَفِي هَذَا الِاسْمِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ) أَيْ: أَجَابَهُ، وَأَحْسَنَ خِطَابَهُ، لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: ضَمِنَ سُبْحَانَهُ لَكَ الْإِجَابَةَ فِيمَا يَخْتَارُهُ لَكَ لَا فِيمَا تَخْتَارُهُ لِنَفَسِكَ، وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ لَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُرِيدُهُ، فَحَظُّكَ مِنْهُ أَنْ لَا تَسْأَلَ سِوَاهُ، وَأَنْ تَطْلُبَ مِنْهُ حَتَّى مِلْحَ عَجِينِكَ، وَمِنْ دُعَاءِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: اللَّهُمَّ كَمَا صُنْتَ وَجْهِي عَنْ سُجُودِ غَيْرِكَ فَصُنْ وَجْهِي عَنْ مَسْأَلَةِ غَيْرِكَ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ( «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» ) لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ إِمَّا فِي الْمُعَجَّلِ وَإِمَّا فِي الْمَآلِ، وَمِنْ بَابِ التَّخَلُّقِ بِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ» ) وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ نَحْوُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَوْ كُرَاعِ الْغَنَمِ لَأَجَبْتُ.
وَقَوْلُهُ: ( «مَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ) .
(الْوَاسِعُ) : هُوَ الَّذِي وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ وَسِيعُ الْمُلْكِ وَالْمِلْكِ، وَوَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ فَهُوَ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَالْعَطَاءِ، لَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ عَطَائِهِ لَا فِي مَبْدَئِهِ وَلَا فِي مُنْتَهَاهُ، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، فَهُوَ الْعَالِمُ بِالْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْلُومَاتِ وَالْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ، لَا نِهَايَةَ لِبُرْهَانِهِ، وَلَا غَايَةَ لِسُلْطَانِهِ، وَلَا حَدَّ لِإِحْسَانِهِ، وَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْهُ أَنْ يَسْعَى فِي سَعَةِ مَعَارِفِهِ وَأَخْلَاقِهِ، وَيَكُونَ جَوَادًا بِالطَّبْعِ غَنِيَّ النَّفْسِ لَا يَضِيقُ قَلْبُهُ بِفَقْدِ الْفَائِتِ، وَلَا يَهْتَمُّ بِتَحْصِيلِ الْمَآرِبِ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1576
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست