responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1573
يَقُولُ رَاجِي عَفْوَ رَبٍّ سَامِعٍ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مُجِيبٌ لِمَنْ دَعَاهُ، وَغَيْرُ مُخَيِّبٍ لِمَنْ رَجَاهُ، ثُمَّ التَّقَرُّبُ بِهِ تَعَالَى تَعَلُّقًا بِلُزُومِ الِاسْتِغْفَارِ فِي آنَاءِ اللَّيْلِ وَأَطْرَافِ النَّهَارِ، خُصُوصًا أَوْقَاتَ الْأَسْحَارِ وَتَخَلُّقًا بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ آذَاكَ.
(الشَّكُورُ) : أَيِ الَّذِي يُعْطِي الْأَجْرَ الْجَزِيلَ عَلَى الْأَمْرِ الْقَلِيلِ، فَيَرْجِعُ إِلَى صِفَاتِ الْفِعْلِ. حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: حَاسَبَنِي فَخَفَّتْ كِفَّةُ حَسَنَاتِي، فَوُضِعَ فِيهَا صُرَّةٌ فَثَقُلَتْ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَفُّ تُرَابٍ أَلْقَيْتَهُ فِي قَبْرِ مُسْلِمٍ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَقِيلَ: هُوَ الْمُثْنِي عَلَى الْمُطِيعِينَ، فَيَرْجِعُ إِلَى الْقَوْلِ، الْمُجَازِي عِبَادَهُ عَلَى شُكْرِهِمْ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّنْزِيلِ مَنْزِلَةَ الْمُعَامَلَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْهُ أَنْ يَعْرِفَ نِعَمَ اللَّهِ، وَيَقُومَ بِمَوَاجِبِ شُكْرِهِ، وَيُوَاظِبَ عَلَى وَظَائِفِ أَمْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ شَاكِرًا لِلنَّاسِ مَعْرُوفَهُمْ، فَفِي الْحَدِيثِ ( «لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» ) بِنَصْبِهِمَا، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِرَفْعِهِمَا وَنَصْبِهِمَا، وَرَفْعِ أَحَدِهِمَا وَنَصْبِ الْآخَرِ، وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى تَعْظِيمِ الْوَاسِطَةِ، مَعَ أَنَّ الْمُنْعِمَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ. وَالْمَشْهُورُ فِي حَدِّ الشُّكْرِ بِأَنَّهُ: صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ نِعَمِهِ إِلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] أَيْ: قَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي مَنْ يَشْهَدُ أَنَّ النِّعْمَةَ مِنِّي، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشُّكْرِ الْغَيْبَةُ عَنْ شُهُودِ النِّعْمَةِ بِشُهُودِ الْمُنْعِمِ، وَلَا دَخْلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِمَبْحَثِ تَفْضِيلِ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ عَلَى الْفَقِيرِ الصَّابِرِ عِنْدَ كَثِيرِينَ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى خِلَافِ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَوْلِيَاءُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
(الْعَلِيُّ) : بِتَشْدِيدٍ، فَعِيلٌ مِنَ الْعُلُوِّ، وَهُوَ الْبَالِغُ فِي عُلُوِّ الرُّتْبَةِ بِحَيْثُ لَا رُتْبَةَ إِلَّا وَهِيَ مُنْحَطَّةٌ عَنْ رُتْبَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الَّذِي عَلَا عَنِ الْإِدْرَاكِ ذَاتُهُ وَكَبُرَ عَنِ التَّصَوُّرِ صِفَاتُهُ. وَقَالَ آخَرُ: هُوَ الَّذِي تَاهَتِ الْقُلُوبُ فِي جَلَالِهِ، وَعَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنْ وَصْفِ كَمَالِهِ، وَحَظُّكَ مِنْهُ أَنَّكَ إِذَا شَاهَدْتَ عُلُوَّهُ سَمَتْ هِمَّتُكَ إِلَيْهِ، فَجَعَلْتَهَا فِي كُلِّ أَحْوَالِكَ وَاقِفَةً عَلَيْهِ، وَذَلَّلْتَ نَفْسَكَ فِي طَاعَتِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَبَذَلْتَ رُوحَكَ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، حَتَّى تَبْلُغَ الْغَايَةَ فِي الْكَمَالَاتِ الْأُنْسِيَّةِ، وَالْحَالَاتِ الْقُدُسِيَّةِ، وَالْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّةِ، مِنَ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ، فَفِي الْحَدِيثِ: ( «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا» ) . وَمِنْ ثَمَّ قَالَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ -: عُلُوُّ الْهِمَّةِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْهِمَّةِ وَالْخِدْمَةِ، وَعِنْدِي أَنَّ الْخِدْمَةَ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنَ الْهِمَّةِ، فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ.
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: مِنْ عُلُوِّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِتَكْبِيرِ الْعِبَادِ لَهُ كَبِيرًا وَلَا جَلِيلًا بِإِجْلَالِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ لَهُ كَثِيرًا، بَلْ مَنْ وَفَّقَهُ لِإِجْلَالِهِ فَبِتَوْفِيقِهِ أَجَلَّهُ، وَمَنْ أَيَّدَهُ بِتَكْبِيرِهِ وَتَعْظِيمِهِ فَقَدْ رَفَعَ مَحَلَّهُ، وَمِنْ حَقِّ مَنْ عَرِفَ عَظَمَتَهُ أَنْ لَا يَذِلَّ لِخَلْقِهِ، بَلْ يَتَوَاضَعَ لَهُمْ لِأَجْلِهِ، فَإِنَّ مَنْ تَذَلَّلَ لِلَّهِ فِي نَفْسِهِ رَفَعَ اللَّهُ قَدْرَهُ عَلَى أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُ لَيْسَ لَهُ الْكِبْرُ وَلَهُ الْعِزَّةُ وَلَهُ التَّوَاضُعُ لَا الْمَذَلَّةُ.
(الْكَبِيرُ) : وَضِدُّهُ الصَّغِيرُ، يُسْتَعْمَلَانِ بِاعْتِبَارِ مَقَادِيرِ الْأَجْسَامِ، وَلِاعْتِبَارِ الرُّتَبِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا إِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَكْمَلُ الْمَوْجُودَاتِ وَأَشْرَفُهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ غَنِيٌّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمَا سِوَاهُ حَادِثٌ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ فِي الْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَبِيرٌ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْحَوَاسِّ وَإِدْرَاكِ الْعُقُولِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ، فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ التَّنْزِيهِ، قِيلَ فِي مَعْنَى (اللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ: أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَكْبَرُ، أَوْ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُدْرِكَ غَيْرُهُ كُنْهَ كِبْرِيَائِهِ، وَحَظُّكَ مِنْهُ أَنْ تَشْهَدَ كِبْرِيَاءَهُ دَائِمًا حَتَّى تَنْسَى كِبْرِيَاءَ غَيْرِهِ، وَتَجْتَهِدَ فِي تَكْمِيلِ نَفْسِكَ عِلْمًا وَعَمَلًا بِحَيْثُ يَتَعَدَّى كَمَالُكَ إِلَى غَيْرِكَ، فَيَقْتَدِي بِآثَارِكَ، وَيَقْتَبِسُ مِنْ أَنْوَارِكَ، وَتَقَرُّبُكَ بِهَذَا الِاسْمِ تَعَلُّقًا أَنْ تُبَالِغَ فِي التَّوَاضُعِ، وَتَخَلُّقًا أَنْ تَحْتَرِزَ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ بِلُزُومِ الْخِدْمَةِ وَحِفْظِ الْحُرْمَةِ، فَفِي الصَّحِيحِ: ( «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمًا قَصَمْتُهُ» ) . أَيْ: أَهْلَكْتُهُ وَكَسَرْتُ عُنُقَهُ، وَاخْتُصَّتِ الْعَظَمَةُ بِالْإِزَارِ، وَالْكِبْرِيَاءُ بِالرِّدَاءِ، لِأَنَّ فِي الْكَبِيرِ مِنَ الْفَخَامَةِ فَوْقَ الْعَظِيمِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُخْتَصًّا لَهُ تَعَالَى لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ بِوَجْهٍ مَا، وَمِنْ ثَمَّ قَصَمَ الْمُنَازِعَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1573
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست