responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1551
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [النور: 4 - 5] فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ عِنْدَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَلَا تُقْبَلُ عِنْدَنَا. وَقَوْلُهُ: أَبَدًا يُؤَيِّدُ أَنَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِلتَّأْكِيدِ وَلِإِزَالَةِ مَا اهْتَمَّ بِهِ نَفْسُ حَنْظَلَةَ عَنْهُ، وَلِبَيَانِ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَوَامِ الْحُضُورِ مِنْ غَيْرِ الْفُتُورِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سَاعَةً يَكُونُ فِي الذِّكْرِ وَالْحُضُورِ، وَسَاعَةً فِي مُعَافَسَةِ الْأَزْوَاجِ وَغَيْرِهَا، وَفِي ذَلِكَ تَقْرِيرٌ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ حَنْظَلَةُ عَلَيْهَا وَأَنْكَرَهَا، وَمِنْ ثَمَّةَ نَادَاهُ بِاسْمِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَمَا نَافَقَ قَطُّ أَيِ: النِّفَاقَ الْعُرْفِيَّ وَهُوَ إِظْهَارُ الْإِيمَانِ وَإِبِطَانُ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، إِمَّا الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَالَةٍ وَعِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى حَالَةٍ أُخْرَى، وَإِمَّا التَّشْبِيهَ الْحَالِيَّ؛ لِأَنَّ حَالَهُ يُشْبِهُ حَالَ الْمُنَافِقِ لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى مَقَامِ الْمَوَاقِفِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

[الْفَصْلُ الثَّانِي]
2269 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ؟ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ؟ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ وَخَيْرٍ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ " قَالُوا: بَلَى. قَالَ " ذِكْرُ اللَّهِ» )
رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا وَقَفَهُ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الْفَصْلُ الثَّانِي]
2269 - (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: رَجُلٌ أَدْرَدُ لَيْسَ فِي فِيهِ سِنٌّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ) : أَيْ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ (بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ) : أَيْ: أَفْضَلِهَا (وَأَزْكَاهَا) : أَيْ: أَنْمَاهَا وَأَنْقَاهَا (عِنْدَ مَلِيكِكُمْ؟) : أَيْ: فِي حُكْمِ رَبِّكُمْ (وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ؟ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟) : بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَيُسَكَّنُ أَيِ: الْفِضَّةِ، فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ (وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ) : أَيْ: خَيْرٍ مِنْ بَذْلِ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَنْ تُجَاهِدُوا الْكُفَّارَ (تَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ) : أَيْ: أَعْنَاقَ بَعْضِهِمْ (وَيَضْرِبُوا) : أَيْ: بَعْضُهُمْ (أَعْنَاقَكُمْ؟) وَهَذَا تَصْوِيرٌ لِأَعْلَى مَرَاتِبِ الْمُجَاهَدَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: " وَخَيْرٍ " مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى خَيْرِ أَعْمَالِكُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَذْلِ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عَطْفٌ عَلَى خَيْرِ أَعْمَالِكُمْ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ خَيْرُ الْأَعْمَالِ مُطْلَقًا، وَهَذَا خَيْرٌ مِنْ بَذْلِ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ، أَوْ عَطْفٌ مُغَايِرٌ بِأَنْ يُرَادَ بِالْأَعْمَالِ الْأَعْمَالُ اللِّسَانِيَّةُ، فَيَكُونُ ضِدَّ هَذَا، لِأَنَّ بَذْلَ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْفِعْلِيَّةِ اهـ. وَمُرَادُهُ بِضِدِّهِ مُغَايِرُهُ.
(قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْمُرَادُ الذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي لَهُ الْمَنْزِلَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى بَذْلِ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ نَفْسِيٌّ، وَفِعْلُ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ أَشَقُّ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ، بَلْ هُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ، لَا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ الْمُشْتَمِلُ عَلَى صِيَاحٍ وَانْزِعَاجٍ وَشِدَّةِ تَحْرِيكِ الْعُنُقِ وَاعْوِجَاجٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ جَالِبٌ لِلْحُضُورِ، وَمُوجِبٌ لِلسُّرُورِ، - حَاشَا لِلَّهِ - بَلْ سَبَبُ الْغَيْبَةِ وَالْغُرُورِ اهـ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الذِّكْرَ يُطْلَقُ عَلَى الْجَنَانِيِّ وَعَلَى اللِّسَانِيِّ، وَأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْقَلْبِ الَّذِي يَتَقَلَّبُ بِسَبَبِ ذِكْرِ الْمَذْكُورِ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ، وَإِنَّمَا اللَّفْظِيُّ وَسِيلَةٌ، وَلِحُصُولِ الْوُصُولِ وَصَلَةٌ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُبْتَدِئِ؟ وَإِنْ كَانَ يَنْتَهِي الْمُنْتَهِي أَيْضًا إِلَى الذِّكْرِ الْقَلْبِيِّ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الْبِدْعِيَّةُ وَالْأَغْرَاضُ الدُّنْيَوِيَّةُ، فَخَارِجَةٌ عَنِ الْأَنْوَاعِ الذِّكْرِيَّةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَكْمَلُ، وَفِي تَحْصِيلِ الْمَثُوبَةِ أَفْضَلُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُجَاهِدَ الْمَذْكُورَ وَالْمُقَاتِلَ الْمَشْكُورَ لَا يَخْلُو عَنِ الذِّكْرِ الْقَلْبِيِّ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ أَنَّ ذِكْرَهُ الْقَلْبِيَّ الَّذِي هُوَ الْجِهَادُ الْبَاطِنِيُّ أَفْضَلُ مِنْ مُضَارَبَتِهِ الَّتِي هِيَ الْجِهَادُ الظَّاهِرِيُّ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ نَظِيرَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي حِجْرِهِ دَرَاهِمُ يُقَسِّمُهَا وَآخَرَ يَذْكُرُ كَانَ الذَّاكِرُ لِلَّهِ أَفْضَلَ " كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى، فَانْدَفَعَ مَا تَحَيَّرَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَكَوْنُ الذِّكْرِ الشَّامِلِ لِلْقُرْآنِ خَيْرًا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ اللِّسَانِيَّةِ ظَاهِرٌ، وَمِنْ إِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ وَبَذْلِ النُّفُوسِ لِلَّهِ مُشْكِلٌ إِذْ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا الْعَكْسُ اهـ.
وَلِدَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَقَامِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ، بَلْ قَدْ يَأْجُرُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَلِيلِ الْأَعْمَالِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْجُرُ عَلَى كَثِيرِهَا، فَإِذًا الثَّوَابُ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَفَاوُتِ الرُّتَبِ فِي الشَّرَفِ اهـ. وَهُوَ الْقَوْلُ الْحَقُّ.

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1551
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست