responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1545
أَيْ: مِنَ امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ الزَّوَاجِرِ، وَقَوْلُهُ: (أَحَبَّ) يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ وَسَائِلُ الْقُرْبِ كَثِيرَةً، وَأَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ، فَيَنْدَرِجُ فِيهَا النَّوَافِلُ وَلِذَا قَالَ: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي) : أَيِ: الْقَائِمُ بِقُرْبِ الْفَرَائِضِ (يَتَقَرَّبُ) : أَيْ: يَطْلُبُ زِيَادَةَ الْقُرْبِ (إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ) أَيْ: بِقُرْبِ الطَّاعَاتِ الزَّوَائِدِ عَلَى الْفَرَائِضِ (حَتَّى أَحْبَبْتُهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: حَتَّى أُحِبَّهُ، أَيْ: حُبًّا كَامِلًا لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، خِلَافَ مَا يُوهِمُ كَلَامُ الطِّيبِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ: مَا يَزَالُ بَيَانُ أَنَّ حُكْمَ بَعْضِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ النَّافِلَةُ هَذِهِ الْمَثَابَةُ، فَمَا الظَّنُّ بِالْمُفَضَّلِ الَّذِي هُوَ الْفَرَائِضُ؟ (فَكُنْتُ سَمْعَهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالَّذِي فِي الْأُصُولِ الْمَشْهُورَةِ: حَتَّى أَحْبَبْتُهُ فَكُنْتُ سَمْعَهُ، (الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ) : بِضَمِّ الْيَاءِ (وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا) : بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ: يَأْخُذُ (بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا) .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيْ: يَسَّرْتُ عَلَيْهِ أَفْعَالَهُ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى هَذِهِ الْآلَاتِ، وَوَفَّقْتُهُ فِيهَا، حَتَّى كَأَنِّي نَفْسُ هَذِهِ الْآلَاتِ، وَقِيلَ: أَيْ: يَجْعَلُ اللَّهُ حَوَاسَّهُ وَآلَاتِهِ وَسَائِلَ إِلَى رِضَائِهِ فَلَا يَسْمَعُ إِلَّا مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، فَكَأَنَّهُ يَسْمَعُ بِهِ إِلَخْ. وَقِيلَ: أَيْ: يَجْعَلُ اللَّهُ سُلْطَانَ حُبِّهِ غَالِبًا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَرَى إِلَّا مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَلَا يَسْمَعُ إِلَّا مَا يُحِبُّهُ، وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا يُحِبُّهُ، وَيَكُونُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ لَهُ يَدًا وَعَوْنًا وَوَكِيلًا يَحْمِي سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ عَمَّا لَا يَرْضَاهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُنْتُ أَسْرَعَ إِلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ مِنْ سَمْعِهِ فِي الِاسْتِمَاعِ، وَبَصَرِهِ فِي النَّظَرِ، وَيَدِهِ فِي اللَّمْسِ، وَرِجْلِهِ فِي الْمَشْيِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِذَا تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَزَادَ فِي التَّقَرُّبِ بِالنَّوَافِلِ الْمُكَمِّلَاتِ لِلْفَرَائِضِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا دَوَامُ الذِّكْرِ الْمُوَصِّلِ إِلَى حُضُورِ الْوُصُولِ، وَسُرُورِ الْحُصُولِ، وَمَقَامِ الْفَنَاءِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْبَقَاءِ بِرَبِّهِ، ظَهَرَ لَهُ آثَارُ مَحَبَّتِهِ الْأَزَلِيَّةُ وَانْكَشَفَ لَهُ أَنْوَارُ قُرْبَتِهِ الْأَبَدِيَّةُ، فَرَأَى أَنَّ مَا بِهِ مِنَ الْكَمَالِ مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَقُوَّةِ الْقُوَى إِنَّمَا هُوَ مِنْ آثَارِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَقُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَعَدَمٌ مَحْضٌ فَلَا يُرَى فِي الدَّارِ غَيْرُهُ دَيَّارٌ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَلَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَبْطِشُ وَلَا يَمْشِي، إِلَّا وَشَهِدَ أَنِّي الْمُوجِدُ لِذَلِكَ وَالْمُقَدِّرُ لَهُ، فَيَصْرِفُ جَمِيعَ مَا أَنْعَمْتُ بِهِ عَلَيْهِ إِلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ مِنْ طَاعَتِي، فَلَا يَسْتَعْمِلُ سَمْعَهُ وَغَيْرَهُ مِنْ مَشَاعِرِهِ إِلَّا فِيمَا يُرْضِينِي وَيُقَرِّبُهُ مِنِّي، فَلَا يَتَوَجَّهُ لِشَيْءٍ إِلَّا وَأَنَا مِنْهُ بِمَرْأًى وَمَسْمَعٍ، فَأَنَا لَهُ عَيْنٌ وَيَدٌ وَرِجْلٌ وَعَوْنٌ وَوَكِيلٌ وَحَافِظٌ وَنَصِيرٌ، كَمَا هُوَ جَلِيٌّ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْعِرْفَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ، إِذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِمْ لِضِيقِ الْعِبَادَةِ عَمَّا يُوهِمُ لِغَيْرِ ذَوِي الْإِشَارَةِ مِنَ الْأَغَالِيطِ الَّتِي هِيَ الْحُلُولُ وَالِاتِّحَادُ وَالِانْحِلَالُ عَنْ رَابِطَةِ الشَّرْعِ الْمُلْجِئَةِ إِلَى مَضَايِقِ الضَّلَالِ.
وَمِنْ هَذَا يَتَّضِحُ لَكَ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ وَهِيَ: أَنَّ مَا أُشْكِلَ عَلَيْكَ مِنْ عِبَارَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهَا فَبَادِرْ إِلَيْهِ كَقَوْلِ أَبِي يَزِيدَ: لَيْسَ فِي الْجُبَّةِ غَيْرُ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنْ صَدَرَتْ فِي مَقَامِ غَيْبَةٍ فَلَا حَرَجَ عَلَى قَائِلِهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلِّفٍ حِينَئِذٍ، وَكَذَا إِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ صَدَرَتْ مَعَ تَحَقُّقِ صَحْوِهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ حُكْمُهَا الشَّرْعِيُّ، إِذِ الْوَلِيُّ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، وَالْمَحْفُوظُ رُبَّمَا فَرَطَ مِنْهُ مَا عُوتِبَ بِهِ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ حَالُهُ (وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ) : بِالتَّأْكِيدِ، وَفِي التَّعْبِيرِ (بِأَنْ) دُونَ (إِذَا) إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يَصِلُ إِلَى مَقَامٍ يَتْرُكُ فِيهِ السُّؤَالَ اتِّكَالًا عَلَى عِلْمِهِ بِالْحَالِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُ غَيْرَ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ (وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي) : قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: ضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ الْأَشْهُرُ بِالنُّونِ بَعْدَ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَالثَّانِي بِالْمُوَحَّدَةِ (لَأُعِيذَنَّهُ) : أَيْ: مِمَّا يَخَافُ مِنَ الْبُعْدِ (وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: عَنْ قَبْضِ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَمَا فِي رِوَايَةٍ قِيلَ: التَّرَدُّدُ هُوَ التَّخَيُّرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا أَصْلَحُ، وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَأَوَّلُوهُ عَلَى تَرْدِيدِ الْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِطِ، وَجَعَلُوا قِصَّةَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ مَلَكِ الْمَوْتِ سَنَدًا لِقَوْلِهِمْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ التَّرَدُّدِ إِزَالَةُ كَرَاهَةِ الْمَوْتِ عَنِ الْمُؤْمِنِ. مِمَّا يَبْتَلِيهِ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمَرَضِ وَالْفَاقَةِ وَغَيْرِهَا، فَأَخْذُهُ الْمُؤْمِنَ عَمَّا تَشَبَّثَ بِهِ مِنْ حُبِّ الْحَيَاةِ شَيْئًا فَشَيْئًا بِالْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا يُشْبِهُ فِعْلَ الْمُتَرَدِّدِ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّرَدُّدِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: التَّرَدُّدُ تَعَارُضُ الرَّأْيَيْنِ وَتَرَادُفُ الْخَاطِرَيْنِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُحَالًا فِي حَقِّهِ تَعَالَى إِلَّا أَنَّهُ أُسْنِدَ إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ غَايَتِهِ وَمُنْتَهَاهُ الَّذِي هُوَ التَّوَقُّفُ وَالتَّأَنِّي فِي الْأَمْرِ، وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ مَا يُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَاتٍ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1545
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست