responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1544
قُلْتُ: كَمَا يَدُلُّ عَلَى سِعَةِ مَغْفِرَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: " أَوْ أَغْفِرُ " قَوْلُهُ: " وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ ": بِضَمِّ الْقَافِ وَيُكْسَرُ، أَيْ: بِمِثْلِهَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْقُرْبِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: بِمَا يَقْرُبُ مِلْأَهَا مِنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ (خَطِيئَةً) : تَمْيِيزٌ (لَا يُشْرِكُ بِي) : حَالٌ مِنْ فَاعِلِ لَقِيَنِي الْعَائِدِ إِلَى مَنْ، (شَيْئًا) : مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 116] (لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً) : أَيْ: إِنْ أَرَدْتُ ذَلِكَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116] وَنُكْتَةُ حَذْفِهِ فِي الْحَدِيثِ اسْتِغْنَاءٌ بِعِلْمِهِ مِنْهَا، وَمُبَالَغَةٌ فِي سِعَةِ بَابِ الرَّجَاءِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ دَفْعُ الْيَأْسِ بِكَثْرَةِ الذُّنُوبِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْتَرَّ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الْخَطَايَا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فَإِنَّهُ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَيِّهِمْ اهـ. أَيْ: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ عَلَى الذَّنَبِ الْكَبِيرِ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى الذَّنْبِ الْحَقِيرِ، أَوْ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّنُوبَ الْكَثِيرَةَ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى السَّيِّئَةِ الصَّغِيرَةِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ مِنْ آخِرِ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا أَوَّلُهُ: فَفِيهِ التَّرْغِيبُ وَالتَّحْثِيثُ عَلَى الْمُجَاهَدَةِ فِي الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ دَفْعًا لِلْفُتُورِ وَالتَّكَاسُلِ وَالْقُصُورِ، فَالْحَدِيثُ مَعْجُونٌ مُرَكَّبٌ نَافِعٌ لِأَمْرَاضِ قُلُوبِ السَّالِكِينَ، وَمُحَرِّكٌ لِشَوْقِ الطَّالِبِينَ، وَمُقَوٍّ لِصُدُورِ الْمُذْنِبِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ فِي الْأَحَادِيثِ حَدِيثٌ أَرْجَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَتَّبَ قَوْلَهُ: " لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً " عَلَى عَدَمِ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ فَقَطْ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَغْتَرَّ وَيَقُولَ: إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أُكْثِرُ الْخَطِيئَةَ حَتَّى يُكْثِرَ اللَّهُ الْمَغْفِرَةَ، وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ذَلِكَ كَيْلَا يَيْأَسَ الْمُذْنِبُونَ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلَّهِ مَغْفِرَةً وَعُقُوبَةً، وَمَغْفِرَتُهُ أَكْثَرُ، وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ أَنَّهُ مِنَ الْمَغْفُورِينَ، أَوْ مِنَ الْمُعَاقَبِينَ لِإِبْهَامِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] فَإِذًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، فَإِنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ الْمَعْنَى، وَصَارَ كَالْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ - وَلِذَا كَفَرَ مُنْكِرُهُ أَنَّهُ - لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ جَمَاعَةٍ مِنْ مُوَحِّدِي هَذِهِ الْأُمَّةِ النَّارَ، ثُمَّ خُرُوجُهُمْ عَنْهَا، مَعَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ، وَهِيَ حَالَةٌ مُبْهَمَةٌ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، كَمَا فِي النُّسْخَةِ الْمُعْتَمَدَةِ: وَاغْتَرَّ شَارِحٌ بِنُسْخَةٍ سَقِيمَةٍ وَحْدَهَا مُخَالِفَةٍ لِذَلِكَ، فَاعْتَرَضَ بِسَبَبِهَا عَلَى الْمَصَابِيحِ بِمَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ اهـ. وَلَمْ يَعْرِفِ الشَّارِحُ وَلَا وَجْهَ لِلِاعْتِرَاضِ فَهُوَ تَجْهِيلُ مَجْهُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، إِذْ لَيْسَ تَحْتَهُ مَحْصُولٌ.

2266 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ» " (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2266 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى) : أَيْ: آذَى (لِي وَلِيًّا) : أَيْ: وَاحِدًا مِنْ أَوْلِيَائِي فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ: مَنْ تَوَلَّى اللَّهُ أَمْرَهُ فَلَا يَكِلْهُ إِلَى نَفْسِهِ لَحْظَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196] أَوْ لِمُبَالَغَةِ فَاعِلٍ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّي عِبَادَةَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ عَلَى التَّوَالِي بِلَا تَخَلُّلِ عِصْيَانٍ، وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى: مُرَادًا وَمَجْذُوبًا سَالِكًا، وَالثَّانِي: مُرِيدًا وَسَالِكًا مَجْذُوبًا، وَاخْتُلِفَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ كُلُّ مُرَادٍ مُرِيدٌ، وَكُلُّ مُرِيدٍ مُرَادٌ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَالْعِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ (فَقَدْ آذَنْتُهُ) : بِالْمَدِّ أَيْ: أَعْلَمْتُهُ (بِالْحَرْبِ) : أَيْ: بِمُحَارَبَتِي إِيَّاهُ لِأَجْلِ وَلِيِّي، أَوْ بِمُحَارَبَتِهِ أَيْ يَعْنِي: فَكَأَنَّهُ مُحَارِبٌ لِي، قَالَ تَعَالَى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ مِنْ عِظَمِ الْخَطَرِ، إِذْ مُحَارَبَةُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ تَدُلُّ عَلَى سُوءِ خَاتِمَتِهِ، لِأَنَّ مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ لَا يُفْلِحُ أَبَدًا. (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي) : أَيِ: الْمُؤْمِنُ وَآثَرَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَبْدِ التَّقَرُّبَ إِلَى سَيِّدِهِ لِأَنْوَاعِ خِدْمَتِهِ وَأَصْنَافِ طَاعَتِهِ (بِشَيْءٍ) : مِنَ الْأَعْمَالِ (أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ) : أَيْ: مِنْ أَدَاءِ مَا أَوْجَبْتُ (عَلَيْهِ)

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 4  صفحه : 1544
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست