كما يؤخذ من كلام العماد بن كثير. (8) ومثل ما ذكره ابن الصلاح في مقدمته (ص18) بعد نقل كلام أبي داود الذي قدمناه: فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مذكوراً مطلقاً، وليس في واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفناه بأنه من الحسن عند أبي داود، وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به على ما سبق ... الخ. قال العلامة الأمير اليماني في تلقيح الأفكار شرح تنقيح الأنظار في مصطلح الآثار - بعد نقل كلام أبي داود المتقدم عن ابن الصلاح ما لفظه: فإن قلت: أجاز ابن الصلاح والنووي وغيرهما من الحفاظ العمل بما سكت عنه أبوداود لأجل هذا الكلام المروي عنه وأمثاله، قلت: قال الحافظ ابن حجر: إن قول أبي داود "وما فيه وهن شديد بيّنته" يفهم منه أن الذي يكون فيه وهن غير شديد لا يبيّنه، ومن هنا تبين لك أن جميع ما سكت عنه أبوداود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي، بل هو على أقسام، منها: ما هو صحيح أو على شرط الصحة. ومنها: ما هو من قبيل الحسن لذاته. ومنها: ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد، وهذان القسمان كثير في كتابه جداً. وفيه ما هو ضعيف لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالباً، وكل من هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها كما نقل ابن مندة عنه أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، وأنه أقوى عنده من رأي الرجال. وكذا قال ابن عبد البر: كل ما سكت عليه أبوداود فهو صحيح عنه، لاسيما إن كان لم يذكر في الباب غيره، ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد فيما نقله ابن المنذر وغيره أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره. ثم ذكر الحافظ قولاً عن الإمام أحمد أصرح مما تقدم في تقديم الحديث الضعيف على الرأي، ثم قال: فهذا نحو مما يحكى عن أبي داود، ولا عجب فإنه من تلامذة الإمام أحمد، فغير مستنكر أن يقول بقوله، بل حكى النجم الطوخي عن العلامة تقي الدين ابن تيمية أنه قال: اعتبرت مسند أحمد فوجدته موافقاً لشرط أبي داود. ومن هنا يظهر لك طريق من يحتج بكل ما سكت عنه أبوداود، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عليها، مثل ابن لهيعة وصالح مولى التوأمة وعبد الله بن محمد بن عقيل وموسى بن وردان وسلمة بن الفضل ودلهم بن صالح وغيرهم، فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم، ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع يعتضد به، أو هو غريب فيتوقف فيه، لاسيما إن كان مخالفاً لرواية من هو أوثق منه فإنه ينحط إلى قبيل المنكر، وقد يخرج أحاديث من هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث ابن وجيه وصدقة الدقيقي وعمرو بن واقد العمري ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني وأبي حيان الكلبي وسليمان بن أرقم وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وأمثالهم في المتروكين، وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة، والأحاديث التي فيها أبهمت أسماؤهم فلا يتجه الحكم بأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته تارة اكتفاءً بما تقدم من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابة، وتارة يكون لذهول منه، وتارة يكون لظهور شدة ضعف ذلك الراوي، أو لاتفاق الأئمة على طرح روايته كأبي حدير