فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض. قال: وذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه. قال النووي في التقريب وابن الصلاح في مقدمته بعد نقل كلام أبي داود هذا: فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مذكوراً مطلقاً وليس في واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والضعيف والحسن ولا ضعفه، عرفنا أنه من الحسن عند أبي داود. زاد ابن الصلاح: وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج في حد الحسن-انتهى. والحق عندي أن لا يعتمد على مجرد سكوت أبي داود، وأن لا يطلق القول بجواز الاحتجاج والعمل بما سكت عنه، لما يجري في كلامه المتقدم من احتمالات تضعف بل تبطل المذهب المذكور:
(1) مثل أن يتكلم على وهن إسناد مثلاً في مقام، فإذا عاد لم يبينه اكتفاءً بما تقدم، ويكون كأنه قد بينه.
(2) ومثل أن يكون سكوته هنا لوجود شاهد أو متابع، أو يكون ذلك لكونه من صحيح حديث المختلط أو المدلس، أو لكونه في الفضائل.
(3) ومثل ما أشار إليه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري من أنه قد يقع البيان في بعض النسخ دون بعض، ولا سيما رواية أبي الحسن بن العبد، فإن فيها من كلام أبي داود شيئاً زائداً على رواية أبي على اللؤلؤي. قال السخاوي في شرح ألفية العراقي (ص29) وسبقه ابن كثير وقال: الروايات عن أبي داود لكتابه كثيرة جداً، ويوجد في بعضها من الكلام بل والأحاديث ما ليس في الأخرى، قال: وأبي عبيد الآجري عنه أسئلة في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل، ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه. قال السخاوي: فينبغي عدم المبادرة لنسبة السكوت إلا بعد جمع الروايات واعتماد ما اتفقت عليه لما تقدم -انتهى.
(4) ومثل ما يشير إليه حصره التبيين في الوهن الشديد حيث قال: ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح وبعضها أصح من بعض - انتهى. إذ مفهومه أن غير الشديد لا يبينه.
(5) ومثل أن الصلاحية في كلامه أعم من أن تكون للاحتجاج أو للاستشهاد، فما ارتقى إلى درجة الصحة أو الحسن فهو بالمعنى الأول، وما عداهما فهو بالمعنى الثاني، وما قصر عن ذلك فهو الذي فيه وهن شديد، وقد التزم بيانه.
(6) ومثل أن تكون الصلاحية على ظاهرها في الاحتجاج، ولا ينافيه وجود الضعيف؛ لأنه يخرج الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، وهو أقوى عنده من آراء الرجال. قال العراقي في ألفيته:
كان أبو داود أقوى ما وجد ... يرويه والضعيف [1] حيث لا يجد
في الباب غيره فذاك عنده ... من رأي أقوى قاله ابن منده
(7) ومثل أن يكون استعمال "أصح" في كلام أبي داود المتقدم بالمعنى اللغوي، بل استعمله كذلك غير واحد، منهم الترمذي، فإنه يورد الحديث من جهة الضعيف ثم من جهة غيره. ويقول عقب الثاني: إنه أصح من حديث فلان الضعيف، وصنيع أبي داود يقتضيه لما في المسكوت عليه من الضعيف بالاستقراء، كما في حديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سمع المنادي فلم يمنع من اتباعه عذر - قالوا: وما العذر؟ قال: حزن أو مرض - لم تقبل منه الصلاة التي صلى)) . فان أباداود رواه وسكت عليه. وقد قال المنذري في مختصره: في إسناده أبوجناب يحيى بن أبي حية الكلبي، وهو ضعيف. وقد يكون هو ضعيفاً عند أبي داود نفسه، [1] أي من قبل سوء حفظ رواية ونحو ذلك كالمجهول عينا أو حالا لا مطلق الضعف الذي يشمل ما كان رواية منهما بالكذب، قاله السخاوي.