ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن، ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن، فإياكم وإياكم)) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيحة التي تدل على أن أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك، بل هم المؤمنون ناقصوا الإيمان، إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة. فمن الوجوه التي أول أهل الحق الحديث بها أن المراد المؤمن الكامل في إيمانه. ومنها أن معني نفي الإيمان نفي الأمان من عذاب الله؛ لأن الإيمان مشتق من الأمن. ومنها أن المراد بالمؤمن المطيع لله، يقال: آمن له، إذا انقاد وأطاع. ومنها أنه محمول على الزجر والوعيد للتنفير عنه. ومنها أنه محمول على الإنذار لمرتكب هذه الكبائر بسوء عاقبة الأمر، إذ مرتكبها لا يؤمن عليه أن يقع في الكفر الذي هو ضد الإيمان. ومنها أن المراد أن الإيمان إذ زنى الرجل خرج منه، وكان فوق رأسه مثل الظلة، فإذا انقطع رجع إليه. ومنها أن معنى مؤمن مستحي من الله؛ لأن الحياء شعبة من الإيمان، فلو استحى منه واعتقد أنه ناظر لم يرتكب هذا الفعل الشنيع، قاله الطيبي. ومنها أن صيغ الأفعال وإن كانت واردة على طريق الإخبار فالمراد منها النهي، ويشهد له أنه روي " لا يزن" بحذف الياء " ولا يشرب" بكسر الباء. ومنها أنه محمول على من فعله مستحلاً مع عمله بتحريمه. ومنها أن معنى نفي كونه مؤمنا: أنه شابه الكافر في عمله، وموقع التشبيه أنه مثله في جواز قتاله في تلك الحالة ليكف عن المعصية، ولو أدى إلى قتله، فإنه لو قتل في تلك الحالة يكون دمه هدراً، فانتفت فائدة الإيمان في حقه بالنسبة إلى زوال عصمته في تلك الحالة. ومنها أن معناه ليس بمستحضر في حالة تلبسه بالكبيرة جلال من آمن به، فهو كناية عن الغفلة التي جلبتها له غلبة الشهوة. ومنها أن معنى " وهو مؤمن" أي مصدق بالعقاب عليه، إذ لو كان معه تصديق بالعقاب ما وقع في الذنب. وارجع لمزيد البسط والتوضيح إلى الفتح في أول الحدود. (ولاينتهب) انتهب ونهب إذا أغار على أحد وأخذ ماله قهراً (نهبة) بالضم. المال الذي ينهب جهراً قهراً ظلماً لغيره، فهو مفعول به، وبالفتح مصدر (يرفع الناس) صفة "نهبة" (إليه) أي إلى الناهب (فيها) أي لسببها ولأجلها أو في حال فعلها أو أخذها (أبصارهم) أي تعجباً من جرأته أو خوفاً من سطوته، أي يتضرعون لديه ولا يقدرون على دفعه، أو هو كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب بخلاف السرقة فإنه يكون خفية، والانتهاب أشد لما فيه من مزيد الجرأة وعدم المبالات، ولم يذكر الفاعل في الشرب وما بعده ففيه كما قال ابن مالك: حذف الفاعل لدلالة الكلام عليه، والتقدير: لا يشرب الشارب ... الخ، كقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين قتلوا} [3:168] في قراءة هشام أي حاسب - انتهى. ولا يرجع الضمير إلى الزاني لئلا يختص به، بل هو عام في كل من شرب وكذا في الباقي، ويجوز أن يكون في كل منهما ضمير مستتر يعود إلى مؤمن (ولا يغل أحدكم) الغلول الخيانة أو الخيانة في الغنيمة، والغل الحقد، ومضارع الأول بالضم، وهو المراد، والثاني بالكسر (حين يغل) أي يسرق شيئاً من غنيمة أو يخون في أمانة (فإياكم إياكم) نصبه على التحذير،