وكثير منهم يزعم أنه ما جاء التصريح بالحق في آية واحدة تكون هي المحكمة التي رد إليها جميع المتشابه، والله-تعالى- ذكر أنه أنزل في كتابه آيات محكمات، ترد إليها المتشابهات، ولم يذكر أن جميع كتابه متشابه، فبطل ما يقولون.
وقد اعترف الرازي- في كتابه "الأربعين" [1] - وهو من أكبر خصوم أهل السنة- أن جميع الكتب السماوية جاءت بصفات الله –تعالى- ولم ينص الله-تعالى- في آية واحدة على أنه منزه عن الوصف بالرحمة والحلم والحكمة، وما أشبه ذلك. والأمر ظاهر وإن لم يعترف به، وهذه الكتب السماوية موجودة.
وهبك تقول: هذا الصبح ليل ... أيعمى العالمون عن الضياء" (2)
قلت: دعوى المجاز في اسمه –تعالى- "الرحمن" وغيره من الأسماء الحسنى، من أبطل الدعاوى؛ لأن ذلك يتضمن إنكار حقيقة صفة الرحمة، وهو أعظم من إنكار الكفار لاسمه تعالى "الرحمن"، كما ذكر الله –تعالى- عنهم ذلك، قال –تعالى-: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [3] .
وقال –تعالى-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [4] .
فهؤلاء الذين كفروا بالرحمن، وأنكروه، لم يكفروا بذاته-تعالى- وربوبيته، ولم ينكروا ما يدعيه المؤولة أن معنى اسمه الرحمن هو الإحسان والإنعام إلى خلقه، [1] كتاب "الأربعين في أصول الدين في علم الكلام".
(2) " إيثار الحق على الخلق"، بتلخيص وتصرف (ص129-139) . [3] الآية 30 من سورة الرعد. [4] الآية 60 من سورة الفرقان.