والبيان، وأنه أنصح الخلق للخلق- من علم ذلك تيقن أنه قد اجتمع له كمال العلم بالحق، وكمال القدرة على بيانه، وكمال الإرادة له، ومع كمال العلم والقدرة والإرادة، يجب وجود المطلوب على أكمل وجه.
فيجب أن يعلم أن كلام الله ورسوله، أبلغ ما يمكن، وأتم ما يكون وأعظمه بياناً لأمور الدين، من حقوق الله وأسمائه، وصفاته، وغير ذلك.
فمن وقر هذا في قلبه لم يجرؤ على تحريف النصوص بمثل هذه التأويلات التي إذا تدبرها العاقل المنصف، وجدها أبعد شيء عن كتاب الله، وعن صفات الرسول
-صلى الله عليه وسلم- وعلم أن من سلك هذا المسلك فإنما هو لنقص في علمه، وإيمانه بكلام الله، وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- [1] .
وقد علم المؤمنون أن محبة العباد لربهم هي حياة القلوب، ونعيم الروح، بل هي أعلى نعيم في الدنيا والآخرة، وهي فوق كل محبة تفترض، ولا نسبة لسائر المحاب إليها، وهي حقيقة لا إله إلا الله، وبتمامها وكمالها تتفاوت منازل العباد عند الله في الدنيا والآخرة، وقد جاء في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " أحبوا الله من كل قلوبكم" [2] . يعني: لا يبقى في القلب موضع لغير محبة الله تعالى.
وفي "الصحيحين": مرفوعاً: "ثلاث من كن فيه، وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار" [3] .
وأصل التأله: التعبد، والتعبد هو آخر مراتب الحب، يقال: عبده
(1) "مجموع الفتاوى" (17/129) بتصرف وزيادة. [2] رواه ابن إسحاق في "السيرة" مختصرها لابن هشام (2/147) . [3] انظر: " الفتح" (1/72) ، (10/463) و "مسلم" (1/66) .