ومعلوم أن الخبر، لا يأتي إلا من مخبر، والمخبر الذي يرسل الرسل بأوامره، ونواهيه، هو الله – جل وعلا – وهو في السماء، أي في العلو، بائن من خلقه.
وهذه المسألة من كبار مسائل العقيدة الإسلامية، ومع ظهورها، وكثرة الأدلة عليها وتنوعها، واتفاق الرسل والكتب وأتباع الرسل عليها، ضل فيها طوائف كثيرة كالجهمية، والمعتزلة، وأكثر الأشعرية، ولا يزال على الضلال فيها خلق كثير ممن يتبنى مذهب الأشعرية، والماتريدية، معتقدين أن ذلك الضلال هو الحق وأنه مذهب أهل السنة، وأن أدلة كتب الله ووحيه إلى رسله ظواهر تدل على التشبيه بظاهرها، فلهذا يجب صرفها عن ذلك الظاهر.
ويرى هؤلاء من اعتقد ما دل عليه القرآن والسنة بظاهرهما، أنه مشبه ومجسم، مع أن العقل والفطر السالمة من الانحراف، يتفقان على ما دل عليه وحي الله -تعالى-، ولهذا ترمي الأشعرية كل من اعتقد علو الله واستواءه على عرشه على الحقيقة، بالتشبيه، والتجسيم، وأحياناً يصرحون بكفرهم كما هو عقيدتهم في قرار نفوسهم، ومع هذا ترى كثيراً منهم رافعاً عقيرته داعياً إلى الاتفاق والوئام، وهذا لن يكون أبداً ما دام في الأرض معتقد للحق؛ لأنه لا اتفاق بين الهدى والضلال، والحق والباطل، وكيف يكون اتفاق مع من يرى أن من اعتقد ما دلت عليه النصوص الصريحة، الواضحة الكثيرة، أنه ضال ومشبه؟ كما سيأتي بيانه، إن شاء الله تعالى.
قوله: " وقال أبو جمرة: عن ابن عباس، لما بلغ أبا ذر مبعث النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال لأخيه: أعلم لي علم هذا الرجل، الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء ".
هذا التعليق قد تقدم تاماً موصولاً، في " المناقب"، وفي "الفضائل" [1] .
ومقصوده من ذلك: بيان أن علو الله -تعالى- على خلقه، أمر مفطور عليه الخلق، ومعلوم بالعقل، والوحي جاء مؤيداً لذلك، وموضحاً له. [1] انظر: " الفتح" (6/549) و (7/173) .