ثم حدث مذهب الجهمية، وتعطيل الرب- تعالى – عن صفاته، والقول بخلق القرآن، وغير ذلك من العظائم، وعربت كتب الفلاسفة في عهد المأمون، فعظمت الفتنة والضلال.
ثم ظهر الأشعري، وكان أخذ عن الجبائي الاعتزال، ولازمه دهراً طويلاً، ثم سلك طريق ابن كلاب في الصفات، والقدر، وغير ذلك.
وسلك طريقه جماعة من العلماء، مثل الباقلاني، وابن فورك، والاسفراييني، والشيرازي، والغزالي، والشهرستاني، والرازي وغيرهم، ملأوا الدنيا بتصانيفهم، يحتجون، ويدعون أن طريقتهم هي طريقة أهل السنة والجماعة، فانتشر هذا المذهب في البلاد الإسلامية، وجاءت دولة بني أيوب، وكانوا على هذا المذهب، ثم مواليهم الأتراك، وأخذه ابن تومرت إلى المغرب، ونشره هناك، فصار هذا المذهب هو المعروف في الأمصار، بحيث نسى ما عداه من المذاهب، أو جهل، حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه، إلا أن يكون مذهب الحنابلة.
حتى جاء تقي الدين –أبو العباس ابن تيمية-، فتصدى للانتصار لمذهب السلف، ورد على الأشاعرة، والرافضة، والصوفية، فافترق الناس فيه فريقان: فريق يقتدي به، ويعول على أقواله، ويرى أنه شيخ الإسلام حقاً، ومن أجل حفاظ أهل الملة الإسلامية.
وآخر يبدعه، ويضلله، ويزري عليه إثبات الصفات وغيرها".
ثم قال المقريزي:
"فهذا- أعزك الله- بيان ما كانت عليه عقائد الأمة من ابتداء الأمر إلى وقتنا، قد فصلت فيه ما أجمله أهل الأخبار، وأجملت ما فصلوا، فدونك طالب العلم تناول ما قد بذلت فيه جهدي، وأطلت بسببه سهري وكدي، في تصفح دواوين الإسلام، وكتب الأخبار فقد وصل إليك صفواً". (1)
(1) "الخطط" للمقريزي ملخصاً (3/309-314) .