" لما بعث الله محمداً –صلى الله عليه وسلم- إلى الناس، وصف لهم ربهم بما وصف به نفسه، فلم يسأله أحد من العرب بأسرهم، قرويهم وبدويهم، عن معنى شيء من ذلك، كما كانوا يسألونه عن أمر الصلاة، وشرائع الإسلام، إذ لو سأله أحد منهم عن شيء من الصفات لنقل، كما نقلت أحاديث الأحكام وغيرها.
ومن أمعن النظر في دواوين الحديث والآثار عن السلف، علم أنه لم يرد قط لا من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم، أنه سأل النبي-صلى الله عليه وسلم- عن معنى شيء [1] ، مما وصف الرب- سبحانه- به نفسه في القرآن وعلى لسان نبيه، بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا سكوت فاهم مقتنع، ولم يفرقوا بين صفة وأخرى، ولم يتعرض أحد منهم إلى تأويل شيء منها، بل أجروا الصفات كما ودرت بأجمعهم، ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به سوى كتاب الله وسنة رسوله.
ومضى عصرهم – رضي الله عنهم- على هذا، وحدث القول بنفي القدر في عهد آخرهم.
وكان أول من فاه بذلك معبد الجهني، أخذه عن رجل من الأساورة، يقال له: أبو يونس سيسويه، ويعرف بالأسواري، وتبرأ من هذه المقالة الصحابة. ثم خرجت الخوارج، وكفروا بالذنوب، فقاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
وحدث التشيع لعلي، وغلا فيه طائفة بدعوة ابن سبأ اليهودي، فحرقهم في النار، كما أحدث ابن سبأ القول بالوصية لعلي بالإمامة من بعد الرسول –صلى الله عليه وسلم- والقول بالرجعية، أي رجعة علي بعد موته، وأن فيه جزءاً من الإلهية.
ومن دعوة هذا اليهودي تشعبت الغلاة من الرافضة، كالإمامية الاثنى عشرية، والإسماعيلية، والقرامطة، والنصيرية، وغيرهم، وهو الذي أثار الفتنة على أمير المؤمنين عثمان حتى قتل، ولم يزل مذهب الرفض يستفحل حتى ملأ الدنيا فساداً. [1] مقصوده: أنهم لم يسألوا عن مثل اليدين والوجه والنزول والاستواء ونحو ذلك، مما يدل على أنهم فهموا أن هذه الصفات على ظاهرها المفهوم من لغتهم، مع علمهم انتفاء المماثلة فيها لصفات الخلق.