فهذه الوقائع - ومثلها كثير جداً - تدل على حقد دفين على هذا الدين، وأنه دخل في المسلمين الدخيل ذو القلب الموتور، والصدر الموغور، والنفس التي تأكلها نار عداوة الإسلام، ونبي الإسلام، وأن هؤلاء يحاولون اجتثاث الإسلام من قلوب الناس، بالتشكيك في أصوله، وأن كثيراً من علماء السلف علموهم، وعرفوا أن مرادهم صد الناس عن الإسلام، وإفساد عقائدهم: وأن تعاوناً يهودياً، ومجوسياً، ونصرانياً، وإلحادياً لم يزل ينتهز الفرص، جاهداً في إطفاء نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
ولا شك أن الصراع بين الحق والباطل قديم، وأنه لا يخلو زمان ولا مجتمع من ذلك، وأن الله - تعالى - جعل للباطل هواة ومحبين، ينفقون أموالهم ويبذلون نفوسهم في الدفاع عنه، كما جعل للحق أنصاراً، وهذا أمر ظاهر، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [1] .
وإذا كان الإنسان متظاهراً بمساندة الباطل ونصرته، فأمره أسهل ممن يخفي ذلك، ويتظاهر بالخير والإيمان، وهو من أبعد الناس عنه، وأشدهم عداوة له، وإنما مقصده معرفة مواطن الضعف من الإسلام وأهله، والمداخل التي تنفذ سمومه منها فيهم، ثم يرميهم بكل ما يستطيع.
وربما يكون هناك تنظيمات تلبس لباس العلم والمعرفة، والإصلاح، والتجديد، والمقصود منها القضاء على الدين، وهم ينوعون أساليبهم في كل وقت بما يناسبه، وإن مصائب الإسلام بهؤلاء وأمثالهم، من فجره إلى يومنا هذا تتوالى، وقد وصف ذلك المقريزي- رحمه الله - وصفاً مفيداً ألخصه فيما يلي:
قال: [1] الآية 76 من سورة النساء.