وهو في فتح المغيث. (ف) في كتب الفقه: إن الرجوع عن التقليد بعد العمل غير جائز، مراده أن مسألة بتحققه عند أحد تتحقق فعل شيئاً على تلك المسألة والتحقيق ثم بدا له بعد العمل أن عمله لا يصح على تحقيقه فيقول: أختار تحقيقاً آخر فإنه ممنوع عنه، مثل: إن صلى حنفي ثم ظهر له بعد الصلاة أن جسده كان يسيل منه الدم، فيقول: أختار مذهب الشافعي، فهذا غير جائز، وحكي أن أبا يوسف رحمه الله صلى ثم بدا له أن في الماء فأرة، والماء كان أزيد من قلتين، فقال بعد صلاته واطلاعه على الفأره فيه: إنا لنعمل بقول إخوتنا أهل الحجاز، أقول: إنه لا يقدح فإن بعد تسليم هذه الواقعة يمكن أن يكون مراده أسلوب الحكيم، وغرضه أنا نحكم بنجاسة الماء عند العلم بالنجاسة كما هو مذهبه فصحت صلاته، وإنما كان الرجوع غير جائز لتوارث السلف لأنه لم يثبت عن أحد منهم مثل هذا الرجوع، نعم ثبت الرجوع عن تحقيق إلى تحقيق آخر وهو جائز كما أن الشافعي رحمه الله كان يقول أولاً بعدم وجوب القراءة خلف الإمام في الجهرية، ورجع عنه قبل موته بسنتين، وقال بوجوبها، ولم يقضي ما كان أدى على التحقيق الأول من الصلوات، وكذلك نظائر أخر لا تحصى.
وأما الاقتداء خلف مخالف في الفروع كاقتداء حنفي خلف شافعي، أو عكسه أو غيرهما، ففيه أقوال عديدة، قال صاحب الهداية في باب الوتر (ص125) بالجواز، ثم قال صاحب البحر: إن بعد الجواز قولين؛ قول: إن العبرة لرأي الإمام لا للمقتدي وقول أن العبرة لرأي المقتدي وقال نوح الأفندي محشى الدر الفرر: إن العبرة للإمام والمقتدي فإن راعى الإمام المسائل المختلفة فيها صحت الصلاة وإلا فلا، وقيل: إن المقتدي لو وجد وشاهد ما ينقض الوضوء على مذهبه لا تصح وإلا صحت ولا يجب عليه السؤال عن الإمام، مثل إن شاهد حنفي مقتدٍ سيلانَ الدم من إمامه الشافعي فتفسد صلاته وإلا صحت، ولا يجب عليه سؤال هل سال دمه أم لا؟ أقول: أن العبرة لرأي الإمام، والدليل هو: توارث السلف فإنهم كانوا يقتدون خلف كل واحد بلا نكير مع كونهم مختلفين في الفروع، ويتمشون على تحقيق إمامهم، وأما إذا صلوا منفردين في بيوتهم فيتمشون على تحقيقاتهم، وحج أبو حنيفة رحمه الله خمسين حجاً، وكان في مكة كثير من السلف مخالفين وله في الفروع لم يثبت منه النكير خلف أحد منهم.
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: إن الدم الكثير مفسد والقليل غير مفسد.