الأشياء يتأدى الفرض في ضمن الواجب ويكون المرئي ظاهر الواجب، وفي ضمنه الفرض، ولذا قال مولانا محمد قاسم النانوتوي: إن الفرض كالمادة، والواجب كالصورة.
باب ما يقول إذا دخل الخلاء
[5] قيل: معناه حين دخوله، وقيل: إذا أراد الدخول، قال ابن هشام صاحب المغني: إنّ تقدير (أراد) بعد (إذا) في مثل هذا المقام مطّرد، وأقول: قد ورد في بعض ألفاظ الحديث: (إذا أراد الدخول) ، وفي البحر: إذا كان بين بيت الخلاء وموضع الخلاء مسافة شيء فقيل: يدعو بهذا الدعاء عند الباب، وقيل: عند موضع الخلاء، وقال مالك: إن نسي وقت الدخول فليقل وقت الجلوس، خلاف الجمهور في هذه الحالة.
قوله: (من الخُبُث والخَبيث) هاهنا شك الراوي، وفي رواية أخرى: (من الخُبُث والخبائث) كما سيجيء، والخُبُث ذكور الشياطين، والخبائث إناث الشياطين، ويأمر الشارع بالأوراد نظراً لنا.
وأما الأول، أي (من الخبث والخبيث) إن كان الخبْث بسكون الوسط فمصدر، وإن كان بضمه فجمع خبيث، ويكون المراد من الخبيث: الفعل الخبيث، ومن الخُبُث بضم الوسط: ذكور الشياطين، وفي الحديث: (الحشوش محتضرة. . إلخ) أي مواقع النجاسة، وقصة سعد مشهورة أنه ذهب في المغتسل، فأبطأ عليهم، فذهب الناس فوجدوه ميتاً، وسمعوا من ظهر غيب:
~ قتلنا رئيس الخزرج سعد بن عبادة ... رميناه بسهمين فلم نخط فؤاده
فعلم وجود الجنات والشياطين في الحشوش والمغتسل، ولهذا نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البول في الحجر.
قوله: (وفي إسناده اضطراب إلخ) الاضطراب قد يكون في المتن وهو اختلاف الألفاظ، وقد يكون في الإسناد، وهو اختلاف الرواة وقفاً ورفعاً ووصلاً وإرسالاً، والاضطراب ههنا من ثلاثة أوجه، لأن لقتادة أربعة تلامذة، اثنان في أول الكلام، وهو هشام وسعيد، واثنان في آخر الكلام، وهو معمر وشعبة، ثم اختلف الأولان فيما بينهما، ثم اختلف الآخران فيما بينهما، واختلاف الأوليين إنما رويا عن قتادة ثم قال سعيد: إن بعد قتادة قاسم بن عوف الشيباني، فأثبت الواسطة بين قتادة وزيد بن أرقم، ونفى هشام الواسطة، والراجح ما قال سعيد، وأما هشام فحذف الواسطة، وأما الآخران فرويا عن قتادة عن النضر بن أنس، ثم اختلفا، فقال شعبة: إن الراوي فوق النضر هو زيد بن أرقم، وقال معمر: إن الراوي فوقه هو أبوه، أي أنس، فصار الخلاف من ثلاثة أوجه: