أصل وكمال على أن الجنس هناك بمعنى المجانس لا بمعنى الوصف الشامل، فعلم أن بحث الشيخ في (لا صلاة لمن لم يقرأ. . الخ) بأن (لا) لنفي الكمال، فيدل على وجوب الفاتحة ـ غير جيد، فإن مقتضاه ظنية الدليل في الدلالة مع كونه ظني الثبوت، وهو لا يوجب الواجب كما سيبدأ عن قريب، والأصوب البحث في ظنية الدليل في الثبوت، كما أشار إليه صاحب الهداية هو أيضاً الحديث ليس ظني الدلالة، بل هو قطعي الدلالة لتعامل السلف على ابتداء الصلاة (بالله أكبر) ، وإن قيل: فعلى هذا التعامل وإجماع السلف يكون (الله أكبر) ركناً نقول: إن اجتماعهم وتعاملهم على الإتيان (بالله أكبر) لا على ركنيته، وبينهما بون بعيد، فمرتبة الواجب القائل بها الأحناف ثابتة بلا ريب، وتفصيل الأمر أن الأدلة على أربعة أنواع: الأول: الدليل قطعي الدلالة والثبوت. ويُفيد الفرضية في جانب الأمر، والحرمة في جانب النهي، والثاني: ظني الثبوت والدلالة، ويفيد الكراهة تنزيهاً في جانب النهي، والاستحباب في جانب الأمر، والثالث: ظني الثبوت وقطعي الدلالة، والرابع: بالعكس، وكلا القسمين يفيدان الوجوب أو السنية في جانب الأمر، والكراهة تحريماً في جانب النهي، فعلى هذا ظهر الفرق بين الفرض والواجب، فهذه نبذة من إثبات مرتبة الواجب والكلام المحول، وبعض كلام سيأتي في باب صفة الصلاة في صلاة مسيء الصلاة.
قال المحقق ابن أمير الحاج: إن الخروج بصنعه ليس بفرض، فإن الفرض يتأدى في ضمن القربات لا في ضمن المنكرات، وقد قلنا بأداء الخروج بصنعه تحت القهقهة والتكلم، وهما مكروهان في الصلاة، وزعم هذا المحقق أن هذا القائل قاسَ القهقهة وإخراج الريح والتكلم وغيرها على لفظ السلام بجامع الخروج بصنع المصلي والحال أنه لم يقس بل أبدى حكمه وحقق أمراً واقعياً، على وزان ما يقال: إن الصلاة للذكر، والصوم لقمع النفس عن الشهوات، فهو حكمة مجردة، وإن كان قياساً فمرسل ملائم.
واعلم أن ههنا ثلاثة أعمال: تحقيق المناط، وتنقيح المناط، وتخريج المناط، قال الشيخ الكمال بن همام: إن هذه الألقاب الثلاثة ألقاب عند الشافعية لا عندنا، ولكن العمل كذلك عند مشايخنا أيضاً، فأما تحقيق المناط فهو إجراء الأحكام النوعية أو الجنسية على أفرادها وأنواعها، ولا يختص بالمجتهد، بل كل مكلف يقدر عليه، مثل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الآية، فإجراء الآية على أفرادها ليس بمختص بالمجتهد، وأما تنقيح المناط فقال الشوكاني في (إرشاد الفحول في علم الأصول) : إن تنقيح المناط نوع من أنواع القياس، والفرق أن القياس هو إبداء لجامع، وتنقيح المناط إلغاء الفارق بين المقيس والمقيس عليه، وقال الأسنوي في شرح منهاج الأصول: إن التنقيح يجري في النصوص أيضاً، وقال: التنقيح حذف الأوصاف التي ليست بمؤثرة