واعلم أن المصنف أخرج حديث الباب مختصراً، وفي غيره: «وإذا مسح الرأس خرجت كل خطيئته سمعها بأذنيه» الخ فدل على أن الأذنين في حكم الرأس، ودل على عدم ضرورة تجديد الماء لمسح الأذنين كما هو مذهب أبي حنيفة.
قوله: (يخرج نقياً من الذنوب الخ) قال المتأخرون: الحسنات مكفرات السيئات الصغائر، وقال المتقدمون: يفوض الأمر إلى الله بلا تقييد بالصغائر والكبائر، وتمسك المتأخرون بما سيأتي «ما لم يغش الكبائر» وأقول: التحقيق أن لا يقيد بالصغائر، ويتمشى على ألفاظ الأحاديث لغة، وفي اللغة: الذنوب العيوب والخطايا ما ليس بصواب، والمعصية (نافر ماني والسيئة برائي) ، فالمعاصي في أعلى مراتب الإثم ودونها السيئات ودونها الخطايا، ودونها الذنوب، وأشكل الحديث بأنه يدل على خروج الذنوب، والخروج يقتضي أن يكون الشيء الخارج ذا جرم، والذنوب أخواتها من المعاني، فالأصوب التفويض إلى الله تعالى، ومن أراد أن يقع في التكلفات، فيرجع إلى ما قال الصوفية بأن وراء هذا العالم المشاهد عالماً يسمى بعالم الأمثال، وراءه عالم الأدوات، وفي عالم الأمثال صور كل شيء في هذا العالم من الأجسام والمعاني، وفي عالم الأرواح أرواح كل شيء كما قالوا:
~ رأابري وآب ويگراست ... آسمان وآفتاب ويگراست
وقالوا: إن عالم الأمثال متصرف في هذا العالم المشاهد وألطف منه، وعالم الأرواح متصرف في عالم الأمثال وألطف منه، وليس عالم الأمثال هو دار الآخرة بل موجود الآن، وقالوا: من يذهب في عالم الأَْمْثَالِ أو الأرواح لا يتميز بين أشياء عالم الشهادة وأشياء عالم الأمثال، وأما الروح فعند أهل الإسلام جسم لطيف على شكل كل ذي ذلك الروح واحتجوا على هذا أي جسمية الروح بما ورد في الأحاديث، كما في حديث البراء بن عازب «فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول» الخ أخرجه أحمد في مسنده، وصاحب المشكاة ص134، وفيه: «فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن» وأحاديث أخر دالة على جسمية الروح، ونقل قاضي زاده في تهافت الفلاسفة أن الغزالي قائل بتجرد الروح وكذلك نسب إلى القاضي أبي زيد الدبوسي الحنفي.
فأقول: أولاً: إن خلافهما لا يكفي، فإنا نتمسك بنصوص الشريعة من القرآن والحديث.
وثانياً: بأن نقل المذهب متعسر، فما لم أر عبارة القاضي أبي زيد لا أنسب إليه هذا الخلاف، وأما الغزالي فقال تلميذه أبو بكر بن العربي: إن الأستاذ غمس في الفلسفة، ثم ضرب بيده وسعى للخروج فلم يسعف بمرامه، والمتقدمون من علماء الإسلام يريدون بالتجرد عدم الكثافة يظهر ذلك من