(دقيقة) : لقد نهى الشريعة الغراء عن النفخ والبصاق في الماء، وعن إدخال اليد فيه بعد اليقظة، فكيف يجوز استعمال الماء الذي يقع فيه لحوم الكلاب والحِيَض والنتن على ما زعم الخصوم؟ والحاصل عندي أن الشريعة لم تحكم بنجاسة ماء بير بضاعة وماء الفلاة فإن الناس لم يشاهدوا النجاسة، وجرت فيها الأوهام والوساوس، وأما الموضع الذي ليس فيه طريق الوهم فليس شأنه هذا، فإن الشريعة تنهى عن استعمال الإناء الذي ولغ فيه الكلب قبل الغسل، وأيضاً أمرت بالغسل عن سؤر الهرة، وفي معاني الآثار ص (12) عن ابن عمر: النهي عن سؤر الحمار، وفي مجمع الزوائد: أن ابن عباس ردف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الحمار فأمره بالاغتسال، وفي سنده راو مختلف فيه، ففي ما ذكر وأخواته مشاهدة سبب النهي عن استعمال الماء ولا مشاهدة في ماء الفلاة وماء بير بضاعة، فعومل فيها بأسلوب الحكيم، فالحاصل أن فيها مدخل الأوهام لا المشاهدة بخلاف غيرهما مما ذكرنا وأخواته فتفرق شأن الأجوبة في الطائفتين، نقل البيهقي في معرفة الآثار والسنن لفظ (ترِدُه السباع والكلاب) في حديث القلتين ثم علله البيهقي بأن الراوي متفرد، وأقول: إنه معلول في الواقع فإن ابن عمر راوي حديث القلتين يفتي بنجاسة سؤر الكلب كما في معاني الآثار ص (12) فلا يكون فيه لفظ الكلاب، وكذلك في الصحيحين: «أن الإناء الذي ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرات، فعلم أن لفظ الكلاب ليس في حديث القلتين، ولو سلم ففي ماء الفلاة ليست المشاهدة بل فيه طريق الوهم، وفيما روينا طريق القطع واليقين فافترقا.
(اطلاع) : يقول الشوافع أسآر السباع طاهرة إلا الكلب والخنزير، ونقول: إن حديث القلتين دال على نجاسة أسآرها، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يجب الصحابة بأن أسآرها طاهرة، بل أجاب بأن الماء إذا كان قلتين لم يحمل الخبث، وأيضاً دال على أن الماء إذا كان أقل من القلتين يتنجس بأسآر السباع فهذا إلزام على ما قال الشوافع فتدبر، ويقول الشوافع: إن من دأب الدواب السباع البول حين شرب الماء، ونقول: إنا نتمشى على ما ذكرنا في الحديث، وأماما في المشكاة: «لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي» ، فضعيف بجميع طرقه بإقرار البيهقي، وتصدى ابن الحجر المكي الشافعي إلى تحسينه بأن تعدد الطرق دال على أن له أصلاً، وأقول: إن فيه أيضاً أسلوب الحكيم فإنا لا نشاهد السباع يشربون الماء، فالمدار على الأوهام فلا يتنجس الماء بالشك وأما مذاهب السلف في الماء فالجزئيات المروية عنهم قريبة إلى قول أبي حنيفة، فإن أكثرهم يعتبر بالعلم وبعضهم يأخذ التغير، ونحن أيضاً، نحن نأخذ التغير في بعض الأحيان، أخرج في معاني الآثار ص (10) بسند