القيامة في كنفه [1] وحياطته حيث لا ناصر لهم ولا معين.
أولهم: إمام نصّب ليرعى مصالح المسلمين
وينظر فيما يرقيهم ويرفع شأنهم، فسار بينهم بالقسطاس [2] المستقيم، وانتصف للمظلوم من الظالم، ولم يخش ضعيف من جوره، ولم يطمع قوي في جاهه وسلطانه، قد أخذ الناس بالحزم على الجادة، ومهد لهم سبل إقامة الدّين، ومعرفة حدوده في غير إفراط ولا تفريط فأمن الناس في غدوهم ورواحهم على أنفسهم وأموالهم.
وفي الحق أن العدل دعامة الملك، ووسيلة التقدم والعمران، وسير الأمم في سبيل الرقي بخطوات واسعة في جميع مرافق حياتها ووسائل نهضتها وسعادتها.
ويدخل في ذلك أيضا كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه.
وثانيهم: [شاب ملازم لعبادة الله عز وجل]
شاب امتلأ فتوة ونشاطا، واكتمل قوة ونموا، لازم عبادة الله وراقب في سره وجهره مولاه، لم تغلبه الشهوة. ولم تخضعه لطاعتها دوافع الهوى والطيش [3] .
وثالثهم: رجل خلا إلى نفسه فذكر عظمة ربه
وقوة سلطانه، ورحمته على عباده وجزيل إحسانه، فاغرورقت عيناه بالدموع وفاضتا طمعا في ثوابه وغفرانه، ورهبة من عذابه وأليم عقابه، لم يفعل ذلك رياء وخديعة على ملأ من الناس ومشهد منهم، مما يدل على صدق تأثره وعمق رهبته.
ورابعهم: من حبب إليه المساجد
فيظل متعلقا بها يسرع إليها إذا حان وقت الصلاة ويحافظ على أوقاتها، وليس المراد حب الجدران ولكن حب العبادة والتضرع إلى الله فيها وهذا يستلزم تجافيه عن حب الدنيا واشتغاله بها وهي رأس كل خطيئة.
والمساجد بيوت الله ومجتمع المسلمين ومناط وحدتهم، والتأم كلمتهم، شرعت فيها الجماعات في الجمع والأعياد لما في ذلك من حكم جمة وفوائد لا تحصى. [1] كنفه: الكنف: جانب الشيء. [2] القسطاس: اضبط الموازين وأقومها. [3] الطيش: طاش طيشا: اضطرب وانحرف وزلّ.