وخامسهم: رجلان تمكنت بينهما أواصر المحبة الصادقة
. والصداقة المتينة، الخالصة لله من شوائب النفاق وابتغاء النفع، لا يؤثر فيها غني ولا فقر ولا تزيدها الأيام إلا وثوقا وإحكاما. سرهما في طاعة الله، وجهرهما في مرضاته لا يتناجيان في معصية ولا يسران منكرا. ولا تسعى أقدامهما إلى فسق أو فجور، تجمعهما رابطة الدّين وحبه. وتفرقهما الغيرة على الدّين والذياد [1] عن حرمته، لا لعرض زائل أو متاع من الدنيا قليل.
وسادسهم: [رجل دعته إلى منكر امرأة ذات مال وجمال فأعرض عنها من خشية الله تعالى]
رجل دعته إلى منكر امرأة اجتمعت لديها كل دواعي الغي والعصيان من جمال رائع، وحسب ومال يغري ذوي النفوس المريضة والإيمان الضعيف.
ويهيب بأولي السهوات [2] الجامحة [3] .
وقلّ من يجتمع فيها ذلك من النساء فسرعان ما تلبي النداء وترعى في خضراء الدمن [4] ، ولكن هذا الرجل صدها عن غيها وزجرها عما تبغيه منه؛ وذكرّها بقوة الله وشدة بطشه وأنه منه جد خائف لا يقوى على عصيانه ولا يطيق عذاب نيرانه.
وهذا إنما يصدر عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء.
وسابعهم: رجل ينفق في سبيل الله لا يبتغي من الناس جزاء ولا شكورا
فهو من المراآة بعيد، وعن الزلفى [5] والمخادعة للناس ناء [6] ، يكاد لإخفائه الصدقة ألا تعلم شماله ما تنفق يمينه، فأين نحن من مثل هذا؟
ترى الواحد إذا حدثته نفسه بعمل بر زفت أمامه البشائر ودقت حوله الطبول، ويأبى إلا أن يقرن اسمه بألقاب التعظيم والتبجيل، وينعت بنعوت الإحسان والبر ما ينوء بها عمله ولا يقوى على حملها ما اعتزمه؛ حتى إذا أتى وقت العمل، وإبراز ما نواه إلى عالم الظهور، خارت تلك العزيمة وتضاءلت هذه الهمة ونسي ما كان منه في [1] الذّياد: ذاده ذيادا: دفعه وطرده. [2] السهوات: الغفلات. [3] الجامحة: الهائجة المائجة. [4] الدّمن: السماد المتلبد. [5] الزلفى: الزّلفة: القربة والمنزلة. [6] ناء: بعيد.