وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [1] ، نهانا الله جلّ شأنه عن التناجي بما فيه ضرر أو إضرار. فلا نتناجى باثام يعود ضررها أولا إلى نفوسنا. وتبعدنا من رحمة ربنا. كإسراف في طعام أو شراب أو لباس. ولا بجرائم يتطاير شررها إلى الناس أولا. ويعود منه إلينا ثانيا.
كزنى وقتل. وسرقة ونهب. ولا بعصيان الرسول فيما أمر. أو الخروج على ما شرع.
وأباح لنا التناجي بالأعمال الخيرية، من نشر علم، وتقويم خلق، وبذل مال وإصلاح خصم، وبالأمور التي تقينا الأضرار. وتحفظنا من الغوائل [2] . كإعداد القوة للعدو، واتخاذ الحصون من دونه، وادّخار المال للنوائب والحميه الواقية من الأمراض وبيّن أن النجوى بالأوزار من وسوسة الشيطان ليحزن بها الذين آمنوا. إذ يسرهم البر والتقوى، ويحزنهم اقتراف الآثام، والتحدث بها، والائتمار عليها، وقد تكون كيدا لهم، وتامرا عليهم، فالنجوى بالسوء محرمة مطلقا. بين اثنين انفرادا بها عن ثالث، أو عن ثالث ورابع، أو بين جماعة انفردوا بها عن واحد أو أكثر، استأذنوا أم لم يستأذنوا.
أمّا النجوى بالخير فحلال للمتناجين. غير أن هناك أدبا يتعلق بها. تجب رعايته بالنسبة للحاضرين. ذلك ما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث. فإن كان المجلس مؤلفا من ثلاثة فلا يتسارّ اثنان بحديث دون الثالث لأن هذا يوحشه ويحزنه. وقد يظن أنهما ينهشان [3] في عرضه. أو يحطان من قدره، أو يكيدان له، فيقوم من المجلس موغر الصدر [4] ، تساوره الظنون، وتخالجه [5] الريب، فللإبقاء على المودة، والمحافظة على الألفة منعا المناجاة من دونه إلا أن يستأذناه فيأذن. فلا حرج إذا لأن المنع لحقه، فيستباح بإذنه، وكذلك الحكم لو تناجى ثلاثة من دون رابع أو أربعة من دون خامس، أو خمسة من دون سادس، أو ... إلخ، لتحقق علة النهي في كل [1] سورة المجادلة، الآيتان: 9، 10. [2] الغوائل: الفساد والشر والداهية. [3] ينهشان: نهش فلانا في عرضه: اغتابه ووقع فيه. [4] موغر: محمي الصدر من الغيظ. [5] تخالجه: تخطر له الشكوك.