به من نعرف ولا بعض من نعرف تكبّرا وتصنّعا. بل إقامة لشعائر الإسلام نبذله لكل مسلم ليتالف الجميع وتزداد الصلة بينهم متانة. على أنك لو منعته من لم تعرف ربما كان ممن تعرف، فاعراضك عنه يوحشه منك. وقد تمسّك بالحديث من أجاز ابتداء الكافر بالسلام. ولا حجة فيه؛ لأن السلام شعار الإسلام. فيحمل قوله: من عرفت على المسلم، وأما من لم تعرف فلا دلالة فيه. بل إن عرف أنه مسلم فذاك، وإن لم يعرف. فسلّم احتياطا فلا حرج حتى يعرف أنه كافر وخص هاتين الخصلتين بالذّكر لمسيس الحاجة إليهما أول الأمر إذا كان المسلمون في حال بؤس وفقر. فإن المهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم فرارا بدينهم. والأنصار قاسموهم أموالهم. وكانوا في حاجة إلى التعارف والتالف وإلى ذلك أن في ذكرهما إيماء إلى الأعمال الخيرية كلها مالية كانت أو بدنية. من أجل هذا خصنا بالذكر وفي الحديث (39) بسط القول في إطعام الجائع. وفي الحديثين (65 و 66) مباحث السلام.
68- باب: أدب المناجاة
عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كانوا ثلاثة- في رواية لمسلم: «إذا كان ثلاثة- فلا يتناجى اثنان دون الثّالث» ، وفي رواية أخرى:
«إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالنّاس، أجل أنّ ذلك يحزنه» ، وفي رواية: «يتناج» . [رواه البخاري ومسلم [1] ] .
الشرح:
المناجاة: المسارّة. وأصله أن تخلو به في نجوة من الأرض أي مكان مرتفع. أصله من النجاء لأنك تعاونه على ما فيه خلاصه. وأجل: بمعنى من أجل.
يقال: فعلت كذا من أجل كذا. وأجل كذا أي بسببه ويجوز في همزته الفتح والكسر.
وأصل الأجل: الجناية التي يخشى عاقبتها في الآجل. ثم استعمل في التعليل.
الشرح قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ [1] رواه البخاري في كتاب: الاستئذان، باب: إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارّة والمناجاة (6290) . ورواه مسلم في كتاب: السلام، باب: تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه (5660) .