فالأجل لا يتأخر بالنسبة إلى سببه الخاص، ويتأخر بالنسبة إلى سبب آخر. وأحسن من هذا أن تفسر مد الأجل بالبركة في العمر؛ فيهبه الله قوة في الجسم؛ ورجاحة في العقل؛ ومضاء في العزيمة. فتكون حياته حافلة [1] بالأعمال الطيبة.
فهي حياة طويلة وإن كانت في الحساب قصيرة وذلك لأن المقياس الحقيقي للحياة المباركة ليس الشهور والأعوام ولكنه جلائل الأعمال؛ وكثرة الآثار. فرب شخص عمّر طويلا؛ وكأن لم يكن. ورب آخر عاش قليلا؛ وكأنه لبث فينا قرونا؛ لكثرة ما عمل؛ وعظم ما خلّف.
وإنما رتبت البركة في العمر علي صلة الرحم لأن المرء إذا وصل أقرباءه أجلّوه واحترموه؛ فامتلأت نفسه سرورا، وشعر بمكانة عالية من أجل صنيعه الذي صنع، والسرور منشّط كما أن الحزن مثبّط، والشعور بالعظمة عن أعمال مجيدة داع للإكثار منها وبذل الجهد في سبيلها.
والحديث يقرنا على حب البسطة في العيش ما آمنّا وعملنا الصالحات لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [2] ، ويقرنا أيضا على الرغبة في زيادة الحياة إن كانت في سبيل الطيبات، كما يحثنا على بر الأقرباء وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ [3] .
44- باب: فضل كفالة اليتيم
عن سهل بن سعد عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وكافل اليتيم في الجنّة» ، هكذا، وقال بإصبعيه السّبابة والوسطى. [رواه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي [4] ] . [1] حافلة: مليئة. [2] سورة المائدة، الآية: 93. [3] سورة الإسراء، الآية: 26. [4] رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: فضل من يعول يتيما (6005) . ورواه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: في من ضم اليتيم (5150) . ورواه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في رحمة اليتيم وكفالته (1918) . -