والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا ينتهي الطرف حتى ينتهي الأثر
وسميت بقية العمر أثرا لأنها تتبعه في الذهاب كما يتبع الأثر صاحبه، ولأن المرء ما عاش لحركاته آثار. فإذا مات فلا حركات، ولا آثار، أو المراد بالأثر الذكر الحسن، والرحم القرابة لأنها داعية التراحم بين الأقرباء وصلة الأقارب تكون بزيارتهم ومعونتهم بالنفس وبالمال، صدقة إن كانوا فقراء، وهدية إن كانوا أغنياء.
وبعمل كل ما يستطيع من جر مغنم، أو دفع مغرم. فيعتبرهم كنفسه في جلب الخير، واتقاء الشر.
الشرح:
رتب الرسول صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم أمرين بسط الرزق والإنساء في الأثر. أما ترتب السعة في الرزق على صلة الرحم فلأنه بالصلة يستجلب محبتهم ومودتهم فيعاونونه على كسب الثروة فتزداد. وينفي بالصلة عداوتهم التي إذ شغل بها استنفدت كثيرا من وقته. يتعطل فيه عن ابتغاء الرزق. ولأنه بالصلة يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة وبالصلة يدخل في زمرة المتقين وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [1] ، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [2] وفي القرآن آيات كثيرة ترتب السعادة الدنيوية على الأعمال الصالحة مثل وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [3] ، وأما ترتب الإنسان في الأثر على الصلة، فإن فسرنا الأثر بالذكرى الطيبة للإنسان بعد وفاته فالإنساء فيها معناه التأخير والإطالة؛ فألسنة الناس ثناء عليه ودعاء له. لقيامه بواجب القرابة؛ وربما استمرت هذه الذكرى أمدا طويلا. فنفسه الرحيمة كأنها خالدة في عالم الأحياء.
وإن فسرنا الأثر ببقية العمر فظاهره أن الأجل يمتد بصلة الرحم؛ وذلك يعارض قوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها [4] ، فالجواب أن الأجل محدد بالنسبة إلى كل سبب من أسبابه. فإذا فرضنا أن الشخص حدد له ستون عاما إن وصل رحمه وأربعون إن قطعها؛ فإذا وصلها زاد الله في عمره الذي حدد له إذا لم يصل. [1] سورة الطلاق، الآية: 2، 3. [2] سورة الطلاق، الآية: 4. [3] سورة الأعراف، الآية: 96. [4] سورة المنافقون، الآية: 11.