عزمه. فتضره ولا تنفعه. وإذا قابلت من تزوج حديثا فبشره بالحياة الطيبة؛ والذرية المباركة؛ ولا تقل له: زوجك هذه من أسرة خلقها كيت وكيت. أو هي لا تحسن إدارة منزل؛ ولا خدمة زوج؛ وقد خطبها فلان ورغب عنها؛ مما يدل على حماقتك وقصر نظرك؛ وأنك لا تقدر المواقف قدرها.
وإنما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم التنفير بجانب التبشير دون الإنذار الذي هو قرينه لأن الإنذار غير منهي عنه، إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم مبشرا ونذيرا لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً. ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً [1] ، والقرآن من سننه قرن النعيم بالجحيم. وأن الأول: للمتقين، والثانية: للمجرمين؛ فكيف ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سنته وطريقته، وعن سلوك منهج القرآن؟ لذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التنفير دون الإنذار. وأن للتبشير مقاما. وللإنذار مقاما. فالإنذار مقاما. فالإنذار لمن لا يقيمه على الصراط الإبراق والإرعاد. والتبشير لمن يحركه إلى العمل بارق الأمل، وكلاهما محمود. أما التنفير فإنه ممقوت ما دام يبعد عن الحق، ويرغب عن الخير، فإن كان مبعدا عن الرذيلة فذلك الإنذار المحمود، وإذا كان للإنذار مقام، وللتبشير مقام، لم يكن الأمر بالتبشير نهيا عن الإنذار لاختلاف الوجهة، ومن التنفير إذا كنت مدرّسا أن تحدث الطلبة بطول المقرر وصعوبته، وأنه لا أمل في الإحاطة به، أو أن تبدأهم بالمسائل الصعبة والأبواب العسرة. بل تحدثهم بسهولة المقرر، وأن الإرادة الماضية تحيط به في يسير من الوقت، وتأخذ بهم من الأسهل إلى السهل، فالصعب ثم الأصعب وكذلك كل من تولى مع آخرين عملا مهما؛ يسهل عليهم أمره؛ ويتدرج بهم فيه، حتى يبلغوا غايته، وكل هذا من الحكمة.
3- وأمرهما بالتطاوع، ونهاهما عن التخالف.
لأن التطاوع قوة وألفة والتخالف ضعف ونفرة. فما دام الأمر في معروف فليطعه. فإن رأى غير ما رأى تباحثا في وجوه الاختلاف، ومحّصا [2] المسألة، ثم أصدرا عن اتفاق تلك نصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي موسى ومعاذ. وجدير بكل من بعث واليا، وعيّن حاكما، على إقليم من الأقاليم أن يضع هذه النصيحة نصب عينيه لينجح في إدارته، ويعلو في ولايته. [1] سورة الكهف، الآيتان: 2، 3. [2] محّص المسألة: كشفها وتمعن فيها.