responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التعازي نویسنده : المدائني، أبو الحسن    جلد : 1  صفحه : 102
170- أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أبو الحسن، عن أبي عمرة الطائي، عن يحيى بن عثمان قال:
سمعت يحيى بن خلادٍ، يقول: والله، لو أن الله عز وجل كلف العباد الجزع دون الصبر، لكلفهم أشد المعنيين على القلوب.

171- أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا الحسن، قال: أخبرنا أبو الحسن، قال:
عزى رجلٌ من بكر بن وائلٍ رجلاً عن ابنه -ويقال: إن المعزى هو- وإنه كتب إليه: يا بني، إن احتمال المضاضة في أول الصبر حتى ينقطع الحزن، أيسر نكايةً من آخر الجزع؛ وإن أمراً لا يتعقب مصدره إلا بالندم، ولا يخلص منه إلا إلى الإثم، لحقيقٌ ألا يستقبل مورده إلا بالقمع والقرع؛ والسلام.

172- أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا الحسن، قال: أخبرنا أبو الحسن، قال:
ذكروا أن النعمان بن المنذر كان له ثلاثة إخوةٍ؛ عمروٌ، ومالكٌ -[103]- -وكانا أخوين لأبٍ، وأم، وكانا ابني مهيرة- وكان النعمان، وأخٌ له يسمى علقمة لأم ولدٍ، فهلك مالكٌ، فجزع عليه عمروٌ. وكان مالكٌ مرجواً عند أهل مملكتهم لحوادث الأيام، وبوائق الدهر، فمات مالكٌ، فدخل على أخيه عمرو من الحزن ما كاد يقضي عليه؛ فلما رأى علقمة ما بأخيه، استأذن النعمان في تعزية عمروٍ، وموعظته، وسأله أن يجمع له رؤساء أهل مملكته، وحلماءهم وعلماءهم؛ فأجابه إلى ذلك.
فلما اجتمع الناس أذن لهم النعمان على قدر منازلهم، فقام علقمة بن المنذر، فثنيت له نمرقة الشرف، على منبر الكرامة، عن يمين النعمان، وهو مقام عظماء المتكلمين؛ فقال: يا عمرو، يا ثمرة الرأي، ومعدن الملك؛ إنما الخلق للخالق، والشكر للمنعم، وإنما التسليم للقادر، ولا بد مما هو كائنٌ، وإنه لا أضعف من مخلوقٍ، ولا أقوى من خالق، ولا أقدر ممن طلبته في يديه، ولا أعجز ممن هو في يد طالبه؛ والتفكر نورٌ، والغفلة ظلمةٌ، والجهالة ضلالةٌ، وقد ورد الأول، والآخر سائقٌ متعبٌ، وفي الأشياء عبرٌ، والسعيد من وعظ بغيره، وقد جاء ما لا يرد، ولا سبيل إلى رجوع ما قد فات، وذهب عنك ما لا يرجع إليك، وأقام معك ما سيذهب عنك، فما الجزع مما لا بد منه؟ وما الطمع فيما لا يرجى؟! وما الحيلة لبقاء ما سيفنى؟ وإنما الشيء من مثله، وقد مضت قبلنا أصولٌ نحن فروعها، فما بقاء فرعٍ بعد أصله؟
انظر إلى طبقات حالاتك، من لدن كنت في صلب أبيك إلى أن بلغت منزلة الشرف، وحد العقل، وغاية الكرامة؛ هل قدرت أن تنتقل -[104]- عن طبقةٍ، قبل انقباضها؟، وتتعجل نعمةً قبل أوان مجيئها؟
وانظر يا عمرو إلى آبائك، الذين كانوا أهل الملك والشرف الكبير، والأحلام المحمودة، هل وجدوا سبيلاً -أو وجد لهم- إلى بقاء ما أحبوا؟ أبقوا بعده؟ فأي أيام الدهر ترتجي؟ أيوم يجيء بعاقبةٍ؟ أم يوم لا يستأخر بما فيه عن أوان مجيئه؟ أو يوماً لا يأتي بما في غيره؟
فانظر إلى أيام الدهر تجدها ثلاثةٌ: يوماً مضى لا ترجوه، ويوماً بقي لا بد منه، ويوماً يجيء لا تأمنه.
إن أكمل الأداة عند المصائب الصبر واليقين؛ لأن الهارب لابد له مما هو كائنٌ، وإنما يتقلب في كف طالبه، فأين المهرب؟
إن أمس موعظةٌ، واليوم غنيمةٌ، وغداً لا تدري، أمن أهله أنت، أو من غير أهله؛ فأمس شاهدٌ مقبولٌ، وأمينٌ مؤد، وحكيم مؤدبٌ، قد فجعت بنفسك في يدي حكمته؛ واليوم صديقٌ مودعٌ، كان طويل الغيبة، وهو سريع الظعن، أتاك ولم تأته، وقد مضى قبله شاهد عدلٍ، فإن كان ما فيه لك، فاشفعه بمثله، وإلا فاتق اجتماع شهادتيهما عليك.
إن أهل هذه الدار سفرٌ، لا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها؛ وإنما ينتقلون منها في العواري، فما أحسن الشكر للمنعم، والتسليم للمغير؛ من أحق بالتسليم ممن لا يجد مهرباً. ولا معيناً، بل الأعوان عليه.
-[105]- انظر مم جزعت، وما استكرهت، وما تحاول؛ فإن ردك الجزع إلى ثقة من درك الطلب، فما أولاك به، وإن كنت قوياً على رد ما كرهت، فكيف تعجز عن الغلبة على ما أحببت؟ وإن كنت حاولت مغلوباً، فمن أفنى القرون قبلك؟
وإن أعظم من المصيبة سوء الخلف منها؛ ومن تناول ثمرة ما لا يكون، استقرت في يديه الخيبة.
أفمن هذا المعدن ترجو درك الغنيمة؟ فإن العلم لا ينال إلا بالتعلم، فبم رجوت تعلم ما لا يتعلم، ودرك ما لا يكون، ولم يكن لذلك معلمٌ فيمن كان قبلك، ولا متعلم سواك؟ وما عناك بطلب من هو في طلبك، أم كيف رجوت رجعة ملك مالكٍ إليه وأنت سابقٌ إليه؟ أم ما جزعك عن الظاعن عنك اليوم، وأنت مرتحلٌ إليه غداً؟ أم ما طمعك في رد ما هو كائنٌ بما لا يكون؟ فأفق، والمرجع قريبٌ، ولا تعم، فيضر بك العمى، وتتوهك الجهالة، وأنت ذو الخظ الكبير من الدنيا في قسمك، وأخو الملك العظيم في قرابتك، وابن الملوك المنعمين في نسبك، فقد أتاك الخير من كل بابٍ، فأنت كما قيل فيك، فلا تكونن في الشكر دون الحق عليك.
وإنما ابتلاك بالمعصيية المنعم، وأخذ منك المعطي، وما ترك أكثر؛ فإن أنسيت الصبر، فلا تغفل [عن] الشكر، وكلا فلا تدع؛ ولا أغنى عنك من المنعم، ولا أحوج من منعمٍ عليه؛ فاحذر من الغفلة استلاب -[106]- النعمة، وطول الندامة.
واعلم أنه لا أضيع ممن غفل عن نفسه، ولم يغفل عنه طالبه.
وإن أخاك عظيمٌ، قد برز لعظيم صلتك، واستكمال كرامتك، ولطف بما ترى لموعظتك. وهذا يومٌ بقاؤه عظيمٌ، وبقاء ما فيه بعدنا طويلٌ، سيحظى به اليوم السعيد، ويستكثر منافعه اللبيب.
وإنما جمعت منافع هذا اليوم وجنوده لدفع فتن الجاهلية عنك؛ وإنما أوقدت مصابيح الهدى فيه، ليتبين خيرك، وسهلت سبيل الخير إليك، لرجاء رجعتك؛ فلم أر كاليوم [ضل] مع نوره متحير، ولا أعيا مداويه سقيمٌ.
وما أصغر المصيبة اليوم، مع عظيم الغنيمة غداً، وأكثر فيه خيبة الخائب؛ وإن أبت نفسك إلا علم رأي من جمع لك، فقد كفيت.
هذا جوابهم، فاسمع يا عمرو:
زعم فرسان الحروب، وقادة الجنود، أن غلب على مالكٍ غالب آبائك، أهل التتويج، والملك الكبير، وأن غالبهم لا يغلب.
وزعم الأطباء أن مالكاً هلك بداء معلميهم الذين هلكوا به، وأنه لا دواء لدائهم ذلك.
وزعمت حفظة الخزائن، أنها عواري عندكم -أهل البيت- وأن العواري لا تقبل في فكاك الرهان.
107#
وزعم أهل الحيل والتجارب والجماعة الكبرى، أن صاحب مالكٍ، قد شغلهم بأنفسهم عنك، فإن فرغوا أتوك.
وقد أسمعك الداعي، وأغدر فيك الطالب، وانتهى الأمر فيك إلى حد الرجاء.
ولا أحد أعظم رزية في عقله، ممن ضيع اليقين، وأخطأ الأمل.
ثم التفت إلى الملك، فقال:
أيها الملك المنعم: إن أعظم العطية ما أعطيتنا، بجمعك إيانا، وإذنك في الكلام لنا؛ وخير الهدية لك ما حملتنا.
وإنا -أيها الملك الرفيع جده- مع معرفتنا بفضلك، لم نرفعك فوق منزلتك؛ وبحسبك ألا يكون إلا الخالق فوقك، ونعم المخلوق أنت، ترد المدبر إلى حظه، وتكف المستعجل إلى حتفه، وتدل مبتغي الخير إلى بغيته؛ وبمثل دوائك يشفى السقيم؛ فدام مجيء الخير منك لنا، والإنعام علينا، والشكر منا.
ثم أقبل على الناس كافةً بالموعظة، فقال:
يا أيها الناس: إنما البقاء بعد الفناء، وقد خلقنا ولم نك شيئاً، وسنبلى ثم نعود، ألا وإنما العواري اليوم، والهبات غداً، ألا وإن قد ورثنا من قبلنا، ولنا وارثون؛ وقد حان رحيلٌ عن محل نازلٍ، ألا وقد تقارب سلب منقلبٍ فاحشٍ، أو عطاءٍ جزيلٍ؛ فاستصلحوا ما تقدمون عليه، بما تظعنون عنه، واسلكوا سبيل الخير، ولا تستوحشوا منها لقلة أهلها، وذاكروا حميد الصحبة لكم فيها.
-[108]-
يا أيها الناس: إني أعظكم، وأبدأ بنفسي: استبدلوا الغواري بالهبات، وارضوا بالباقي خلفاً من الفاني، واستقبلوا المصيبات بالحسبة، تستخلفوا بها نعماً؛ واستديموا الكرامة بالشكر، تستحقوا الزيادة، واعرفوا فضل البقاء في النعم، والغنى في السلامة، قبل الفتنة الملبسة بالمثلة السيئة، وقبل انتقال النعم وزوال الأيام، وتصرف الخطوب.
يا أيها الناس: إنما أنتم في هذه الدنيا أغراضٌ تنتضل فيكم المنايا، وأنتم فيها نهبٌ للمصيبات؛ مع كل جرعةٍ لكم شرقٌ، وفي كل أكلةٍ لكم غصصٌ، لا تنالون نعمةً إلا بفراق أخرى، ولا يستقبل معمرٌ يوماً من عمره إلا بهدم آخر من أجله، ولا يجد لذة زيادةٍ في أجله إلا بنفاذ ما قبله من رزقه. [و] لا يحيا له أثرٌ إلا مات له أثرٌ، فأنتم أعوان الحتوف [على أنفسكم] ، و [في معايشكم] ، وأسباب مناياكم، لا يمنعكم شيءٌ منها، ولا يعينكم شيءٌ عليها، لها بكل سببٍ صريعٌ مخترمٌ، ومتقربٌ منتظرٌ؛ لا ينجو من حبائلها الحذر، ولا يدفع عن مقاتلها الأرب.
فهذه أنفسكم تسوقكم، فمن أين تطلبون البقاء؟ وهذا الليل -[109]- والنهار، لم يرفعا من شيء شرفاً، إلا أسرعا في هدم ما بنيا، وتفريق ما جمعا.
يا أيها الناس: اطلبوا الخير ووليه، واحذوا الشر ووليه، واعلموا أن خيراً من الخير معطيه، وأن شراً من الشر فاعله.
آخر الجزء الثاني من أجزاء الشيخ يتلوه إن شاء الله، وبه القوة، في الجزء الثالث: أنا الحسن بن علي بن المتوكل، قال: أبو الحسن علي بن محمد المدائني، قال: حدثني شيخٌ من أهل البصرة، عن جعفر بن سليمان الضبعي.
والحمد لله رب العالمين كثيراً، وصلى الله وملائكته على السيد المصطفى نبيه محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وسلم تسليماً.

نام کتاب : التعازي نویسنده : المدائني، أبو الحسن    جلد : 1  صفحه : 102
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست