responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أخبار مكة نویسنده : الفاكهي، أبو عبد الله    جلد : 3  صفحه : 119
1911 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسِيبٍ اللِّهْبِيُّ، عَنِ ابْنِ دَأْبٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَكَّةَ، أَخْرَجَ سُدَيْفَ بْنَ مَيْمُونٍ مِنَ الْحَبْسِ وَخَلَعَ -[146]- عَلَيْهِ، ثُمَّ وُضِعَ الْمِنْبَرُ فَخَطَبَ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ، فَقَامَ سُدَيْفُ بْنُ مَيْمُونٍ فَقَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، §فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَارَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، نَفْسُهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَبَيْتُهُ مِنْ بُيُوتِهِمْ، فكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي حَفِظَهُ وَأَشْهَدَ مَلَائِكَتَهُ عَلَى حَقِّهِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ، وَجَعَلَ الْحَقَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَاتَلُوا عَلَى سُنَّتِهِ وَمِلَّتِهِ بَعْدَ عَصْرٍ مِنَ الزَّمَانِ، وَتَتَابَعَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَقْوَامٍ، إِنْ رُتِقَ حَقٌّ فَتَقُوهُ، وَإِنْ فُتِقَ جَوْرٌ رَتَقُوهُ، آثَرُوا الْعَاجِلَ عَلَى الْآجِلِ، وَالْفَانِيَ عَلَى الْبَاقِي، أَهْلُ خُمُورٍ وَمَاخُورٍ وَطَنَابِيرَ وَمَزَامِيرَ، إِنْ ذُكِّرُوا اللهَ لَمْ يَذْكُرُوا، وَإِنْ قُوِّمُوا الْحَقَّ أَدْبَرُوا، بِهَذَا قَامَ زَمَانُهُمْ، وَبِهِ كَانَ يَعْمُرُ سُلْطَانُهُمْ، أَيَزْعُمُ الضُّلَّالُ، فَأُحْبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ، أَنَّ غَيْرَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالْخِلَافَةِ مِنْهُمْ، فَبِمَ، وَلِمَ أَيُّهَا النَّاسُ؟ أَلَهُمُ الْفَضْلُ بِالصَّحَابَةِ دُونَ ذَوِي الْقُرْبَى فِي النَّسَبِ، وَالْوَرَثَةِ لِلسَّلَبِ، مَعَ ضَرْبِهِمْ عَلَى الدِّينِ جَاهِلَكُمْ، وَإِطْعَامِهِمْ فِي اللَّأْوَاءِ جَائِعَكُمْ، وَأَمْنِهِمْ فِي الْخَوْفِ سَائِلَكُمْ؟ وَاللهِ مَا اخْتَرْتُمْ مِنْ حَيْثُ اخْتَارَ اللهُ لِنَفْسِهِ، مَا زِلْتُمْ تُوَلُّونَ تَيْمِيًّا مَرَّةً، وَعَدَوِيًّا مَرَّةً، وَأَسَدِيًّا مَرَّةً، وَأُمَوِيًّا مَرَّةً، حَتَّى جَاءَكُمْ مَنْ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَلَا نَسَبُهُ، فَضَرَبَكُمْ بِالسَّيْفِ، فَأَعْطَيْتُمُوهَا عَنْوَةً وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ، آلُ -[147]- مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَئِمَّةُ الْهُدَى، وَمَنَارُ سُبُلِ التُّقَى، كَمْ قَصَمَ اللهُ بِهِمْ مِنْ مُنَافِقٍ طَاغٍ، وَفَاسِقٍ بَاغٍ، وَأَرْبَادٍ أَمْلَاغٍ، فَهُمُ السَّادَّةُ الْقَادَةُ الذَّادَةُ، بَنُو عَمِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُنَزِّلِ جِبْرِيلَ بِالتَّنْزِيلِ، لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ عَبَّاسٍ، لَمْ تَخْضَعْ لَهُ الْأُمَّةُ إِلَّا لِوَاجِبِ حَقِّ الْحُرْمَةِ، أَبُو رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَبِيهِ، وَإِحْدَى يَدَيْهِ، وَجِلْدَةُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَالْمُوَثِّقُ لَهُ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، وَأَمِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرَسُولُهُ يَوْمَ مَكَّةَ، وَحَامِيهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ عِنْدَ مُلْتَقَى الْفِئَتَيْنِ، وَالشَّافِعُ يَوْمَ نِيقِ الْعُقَابِ؛ إِذْ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْأَحْزَابِ أَقُولُ قُولِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ " وَيُقَالُ: إِنَّ سُدَيْفَ بْنَ مَيْمُونٍ كَانَ فِي حَبْسِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ وَيُطْلِقُ فِيهِمْ لِسَانَهُ وَيَهْجُوهُمْ، وَكَانَ لَهُ فِي الْحِسَابِ فِيمَا يَزْعُمُونَ نَظَرٌ وَفِي الْأَدَبِ حَظٌّ وَافِرٌ، وَكَانَ يَجْلِسُ مَعَ لُمَّةٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الطَّائِفِ يَسْمُرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَنَحْوِهِ، فَيَتَحَدَّثُونَ، وَيُخْبِرُهُمْ بِدَوْلَةِ بَنِي هَاشِمٍ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ -[148]- مِنْ قَوْلِهِ الْوَلِيدَ بْنَ عُرْوَةَ وَهُوَ عَلَى مَكَّةَ وَالِيًا لِمَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الطَّائِفِ يَقُولُ: فَاتَّخَذَ عَلَيْهِ الْأَرْصَادَ مَعَ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَخَذُوهُ، فَأَخَذَهُ، فَحَبَسَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْلِدُهُ كُلَّ سَبْتٍ مِائَةَ سَوْطٍ، كُلَّمَا مَضَى سَبْتٌ أَخْرَجَهُ فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ حَتَّى ضَرَبَهُ أَسْبُتًا، فَلَمَّا اتَّطَأَ الْأَمْرُ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَبُويِعَ لِأَبِي الْعَبَّاسِ بِالْخِلَافَةِ، بَعَثَ دَاوُدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقَدِمَ مَكَّةَ لِيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، فَلَمَّا سَمِعَ الْوَلِيدُ بْنُ عُرْوَةَ السَّعْدِيُّ بِدَاوُدَ أَنَّهُ يُرِيدُ مَكَّةَ أَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ، فَخَرَجَ هَارِبًا إِلَى الْيَمَنِ، وَقَدِمَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ مَكَّةَ، فَاسْتَخْرَجَ سُدَيْفًا مِنَ الْحَبْسِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَخْلَدَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ سُدَيْفٌ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا بَنِي الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ:
[البحر الخفيف]

أَصْبَحَ الدِّينُ ثَابِتَ الْأَسَاسِ ... بِالْبَهَالِيلِ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ
ثُمَّ وَضَعَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ سُدَيْفٌ، فَخَطَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا

§ذِكْرُ الْبِرَكِ الَّتِي عُمِّرَتْ بِمَكَّةَ وَتَفْسِيرُ أَمْرِهَا وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ عَنْ أَشْيَاخِهِ: إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْقَسْرِيِّ أَنْ أَجْرِ لِي عَيْنًا مِنَ الثَّقَبَةِ يَخْرُجُ مِنْ مَائِهَا الْعَذْبُ الزُّلَالُ، حَتَّى تَظْهَرَ بَيْنَ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ تُضَاهِي بِهَا فِيمَا ذَكَرُوا زَمْزَمَ قَالَ: فَعَمِلَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِرْكَةَ الَّتِي بِفَمِ الثَّقَبَةِ، يُقَالُ لَهَا: بِرْكَةُ الْقَسْرِيِّ، وَيُقَالُ لَهَا: بِرْكَةُ السَّرْوِيِّ، وَهِيَ قَائِمَةٌ إِلَى الْيَوْمِ بِأَصْلِ ثَبِيرٍ، فَعَمِلَهَا بِحِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ طِوَالٍ، وَأَحْكَمَهَا وَأَنْبَطَ مَاءَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، ثُمَّ شَقَّ لَهَا فَلْجًا يَسْكُبُ فِيهَا مِنَ الثَّقَبَةِ، وَبَنَى سَدَّ الثَّقَبَةِ وَأَحْكَمَهُ، وَالثَّقَبَةُ شِعْبٌ يَفْرَعُ فِيهِ وَجْهُ ثَبِيرٍ، ثُمَّ شَقَّ مِنْ هَذِهِ الْبِرْكَةِ عَيْنًا تَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَأَجْرَاهَا فِي قَصَبٍ مِنْ رَصَاصٍ حَتَّى أَظْهَرَهَا مِنْ فَوَّارَةٍ تُسْكَبُ -[150]- فِي فِسْقِيَّةٍ مِنْ رُخَامٍ بَيْنَ زَمْزَمَ وَالرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، فَلَمَّا أَنْ جَرَتْ وَظَهَرَ مَاؤُهَا، أَمَرَ الْقَسْرِيُّ بِجُزُرٍ، فَنُحِرَتْ بِمَكَّةَ، وَقُسِّمَتْ بَيْنَ النَّاسِ، وَعَمِلَ طَعَامًا، فَدَعَا إِلَيْهِ النَّاسَ، ثُمَّ أَمَرَ صَائِحًا فَصَاحَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَأَمَرَ بِالْمِنْبَرِ، فَوُضِعَ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ صَعِدَهُ فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ احْمَدُوا اللهَ وَادْعُوهُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي سَقَاكُمُ الْمَاءَ الْعَذْبَ الزُّلَالَ النُّقَاخُ بَعْدَ الْمَاءِ الْمِلْحِ الْأُجَاجِ الَّذِي لَا يُشْرَبُ إِلَّا صَبْرًا قَالَ الشَّاعِرُ يَذْكُرُ الْمَاءَ النُّقَاخَ الْعَذْبَ:
[البحر الطويل]
فَمِنْهُنَّ مَا يُسْقَى بِعَذْبٍ مُبَرَّدٍ ... نُقَاخٍ، فَتِلْكُمْ طَافَتْ وَاسْتَقَرَّتِ
وَمِنْهُنَّ مَا يُسْقَى بِأَخْضَرَ آجِنٍ ... طَرِيفٍ فَلَوْلَا خَشْيَةُ اللهِ بَرَّتِ
يُرِيدُ: أَعْلَنَتْ وَأَنَارَتْ وَقَالَ الْعَرْجِيُّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو -[151]- بْنِ عُثْمَانَ، وَيُقَالُ: بَلْ قَائِلُ ذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَذْكُرُ النُّقَاخَ، أَنَّهُ الْمَاءُ الْعَذْبُ:
[البحر الطويل]
فَإِنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ ... وَإِنْ شِئْتِ لَمْ أَشْرَبْ نُقَاخًا وَلَا بَرْدَا
وَإِنْ شِئْتِ غُرْنَا مَعْكُمُ ثُمَّ لَمْ نَزَلْ ... بِمَكَّةَ حَتَّى تَجْلِسِي قَائِلًا نَجْدَا
ثُمَّ تُفْرِغُ تِلْكَ الْفِسْقِيَّةُ فِي سَرَبٍ مِنْ رَصَاصٍ يَخْرُجُ إِلَى مَوْضِعِ وُضُوءٍ كَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ بَابِ الصَّفَا فِي بِرْكَةٍ كَانَتْ فِي السُّوقِ قَالَ: فَكَانَ النَّاسُ لَا يَقِفُونَ عَلَى تِلْكَ الْفِسْقِيَّةِ، وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يَقْرَبُهَا، وَكَانُوا عَلَى شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ أَحْرَصَ، وَفِيهِ أَرْغَبَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَسْرِيُّ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يُؤَنِّبُ فِيهِ أَهْلَ مَكَّةَ، ثُمَّ نَزَلَ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الْبِرْكَةُ عَلَى حَالِهَا حَتَّى قَدِمَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ مَكَّةَ حِينَ أَفْضَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا أَحْدَثَ بِمَكَّةَ فِيمَا يَقُولُونَ أَنْ هَدَمَهَا، وَكَسَرَ الْفِسْقِيَّةَ، وَصَرَفَ الْعَيْنَ إِلَى بِرْكَةٍ كَانَتْ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، فَسُّرَ النَّاسُ بِذَلِكَ سُرُورًا عَظِيمًا حِينَ هُدِمَتْ فَكَانَ ذَلِكَ السَّرَبُ الرَّصَاصُ عَلَى حَالِهِ حَتَّى قَدِمَ بِشْرٌ الْخَادِمُ -[152]- مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ فَعَمِلَ الْقُبَّةَ الَّتِي إِلَى جَانِبِ بَيْتِ الشَّرَابِ، وَأَخْرَجَ قَصَبَ خَالِدٍ هَذِهِ الَّتِي مِنْ رَصَاصٍ، الَّتِي كَانَ عَمِلَهَا لِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَصْلَحَهُ وَجَعَلَهُ فِي سَرَبِ الْفَوَّارَةِ الَّتِي يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْهَا مِنْ حِيَاضِ زَمْزَمَ، تَصُبُّ فِي هَذِهِ الْبِرْكَةِ، وَقَدْ فَسَّرْنَا عَمَلَهَا فِي مَوْضِعَهَا وَقَدْ كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ فِيمَا مَضَى قَدْ ضَاقُوا مِنَ الْمَاءِ ضِيقًا شَدِيدًا، حَتَّى كَانَتِ الرَّاوِيَةُ تَبْلُغُ فِي الْمَوْسِمِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ، وَفِي سَائِرِ السَّنَةِ نِصْفَ دِينَارٍ، وَثُلُثَ دِينَارٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَأَقَامُوا بِذَلِكَ حِينًا، حَتَّى أَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونُ بِعُيُونِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الدَّوَائِرِ، فَعُمِلَتْ وَجُمِعَتْ وَصُرِفَتْ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ يُقَالُ لَهَا: الرِّشَا، وَتَسْكُبُ فِي الْمَاجِلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحْدَثَهُمَا هَارُونُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُعْرَفَانِ الْيَوْمَ: بِمَاجِلَيْ هَارُونَ، بِالْمَعْلَاةِ، ثُمَّ تَسْكُبُ فِي الْبِرْكَةِ الَّتِي عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , فَتَوَسَّعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ بَعْضَ السَّعَةِ، وَكَانُوا إِذَا انْقَطَعَ مِنْ هَذِهِ الْعُيُونِ شَيْءٌ فِي شِدَّةٍ مِنَ الْمَاءِ فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّ جَعْفَرٍ زُبَيْدَةَ بِنْتَ أَبِي الْفَضْلِ جَعْفَرِ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ لَهَا: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ فِي ضِيقٍ مِنَ الْمَاءِ وَشِدَّةٍ، فَأَمَرَتْ بِعَمَلِ بِرْكَتِهَا هَذِهِ الَّتِي بِمَكَّةَ، فَأَجْرَتْ لَهَا عَيْنًا مِنَ الْحَرَمِ، فَجَرَتْ بِمَاءٍ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِيٌّ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَلَا فَضْلٌ، وَقَدْ غَرِمَتْ فِي ذَلِكَ غُرْمًا كَبِيرًا، فَبَلَغَهَا ذَلِكَ، فَأَمَرَتِ الْمُهَنْدِسِينَ أَنْ يُجْرُوا لَهَا عُيُونًا مِنَ الْحِلِّ وَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَاءُ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ يَمُرُّ عَلَى -[153]- عِقَابٍ وَظِرَابٍ وَجِبَالٍ، فَأَرْسَلَتْ بِأَمْوَالٍ عِظَامٍ، ثُمَّ أَمَرَتْ مَنْ يَزِنُ عَيْنَهَا الْأُولَى، فَوَجَدُوا فِيهَا فَسَادًا، فَأَنْشَأَتْ عَيْنًا أُخْرَى إِلَى جَنْبِهَا، وَأَبْطَلَتْ تِلْكَ الْعَيْنَ، فَعَمِلَتْ عَيْنَهَا هَذِهِ بِأَحْكَمِ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَمَلِ، وَعَظُمَتْ نِيَّتُهَا فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلِ الْعُمَّالُ يَعْمَلُونَ، حَتَّى بَلَغُوا ثَنِيَّةَ خَلٍّ فَإِذَا الْمَاءُ لَا يَظْهَرُ عَلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ إِلَّا بِعَمَلٍ شَدِيدٍ، وَعَزْمٍ فَظِيعٍ، وَضَرْبٍ فِي الْجَبَلِ، فَأَمَرَتْ بِالْجَبَلِ فَضُرِبَ فِيهِ بِالزُّبُرِ وَأَنْفَقَتْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَمْ يَكُنْ تَطِيبُ بِهِ نَفْسُ أَحَدٍ، حَتَّى أَجْرَاهَا اللهُ تَعَالَى وَأَجْرَتْ فِيهَا عُيُونًا مِنَ الْحِلِّ، مِنْهَا عَيْنُ مُشَاشٍ، وَاتَّخَذَتْ لَهَا بِرَكًا تَكُونُ السُّيُولُ إِذَا جَاءَتْ تَجْتَمِعُ فِيهَا، ثُمَّ أَجْرَتْ لَهَا عُيُونًا مِنْ حُنَيْنٍ، وَاشْتَرَتْ حَائِطَ حُنَيْنٍ، فَصَرَفَتْ عَيْنَهُ إِلَى الْبِرْكَةِ، وَجَعَلَتْ حَائِطَهُ سَدًّا تَجْتَمِعُ فِيهِ السُّيُولُ، فَأَهْلُ مَكَّةَ يَشْرَبُونَ مِنْ مَائِهَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا وَكَانَ النَّاسُ يَسْتَقُونَ مِنْ هَذِهِ الْبِرْكَةِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، حَتَّى كَانَتْ سَنَةُ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنٍ، فَكَتَبَ صَالِحُ بْنُ الْعَبَّاسِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُونِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي عَمَلِ الْبِرَكِ الصِّغَارِ الَّتِي فِي فِجَاجِ مَكَّةَ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ بِرَكًا فِي الْفِجَاجِ خَمْسًا لِئَلَّا يَتَعَنَّى أَهْلُ الْمِسْفَلَةِ وَأَهْلُ الثَّنِيَّةِ وَأَجْيَادِينَ، وَالْوَسَطِ، إِلَى بِرْكَةِ أُمِّ جَعْفَرٍ بِالْمَعْلَاةِ، فَأَجْرَى مِنْ بِرْكَةِ أُمِّ جَعْفَرٍ فَلْجًا يُسْكَبُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ -[154]- بِرْكَةِ أُمِّ جَعْفَرٍ إِلَى بِرْكَةٍ عِنْدَ شِعْبِ عَلِيٍّ، وَدَارِ ابْنِ يُوسُفَ، ثُمَّ يَمْضِي إِلَى بِرْكَةٍ عَمِلَهَا عِنْدَ الصَّفَا، ثُمَّ يَمْضِي إِلَى بِرْكَةٍ عِنْدَ الْخَيَّاطِينَ، ثُمَّ يَمْضِي إِلَى بِرْكَةٍ بِفُوَّهَةِ سِكَّةِ الثَّنِيَّةِ دُونَ دَارِ رُوَيْسٍ، ثُمَّ تَمْضِي إِلَى بِرْكَةٍ عِنْدَ سُوقِ الْحَطَبِ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا صَالِحٌ وَخَرَجَ الْمَاءُ فِيهَا، رَكِبَ بِوُجُوهِ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَيْهَا، فَوَقَفَ عَلَيْهَا حَتَّى جَرَى الْمَاءُ، وَنَحَرَ عَلَى كُلِّ بِرْكَةٍ جَزُورًا، وَقَسَمَ لَحْمَهَا عَلَى النَّاسِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّ جَعْفَرٍ زُبَيْدَةَ، فَاغْتَمَّتْ لِذَلِكَ، ثُمَّ حَجَّتْ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَعَلَى مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ صَالِحُ بْنُ الْعَبَّاسِ، فَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يُوسُفَ يَقُولُ: فَأَتَاهَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، فَلَامَتْهُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الْبِرَكِ الَّتِي عَمِلَ، وَقَالَتْ: هَلَّا كَتَبْتَ إِلَيَّ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَسْأَلُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيَّ، فَأَتَوَلَّى النَّفَقَةَ فِيهَا كَمَا أَنْفَقْتُ فِي هَذِهِ الْبِرْكَةِ، حَتَّى اسْتَتَمَّ مَا نَوَيْتُ فِي أَهْلِ حَرَمِ اللهِ؟ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهَا صَالِحٌ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ شَاعِرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَذْكُرُ بِرْكَةَ أُمِّ جَعْفَرٍ، وَدُخُولَ مَاءِ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ:
[البحر الرجز]
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَعَزِّ الْأَكْرَمِ ... الْوَاسِعِ الْفَضْلِ الْكَثِيرِ الْمُنْعِمِ
أَجْرَى عَلَى رُغْمِ أُنُوفِ الرُّغَّمِ ... مَنْ كَانَ يُنْبِينَا بِمَا لَمْ نَعْلَمِ
-[155]- عَيْنًا مِنَ الْحِلِّ جَرَتْ فِي الْحَرَمِ ... تُسْكَبُ فِي خَابِيَةٍ قَلَيْدَمِ
خَضْرَاءَ فِيهَا مَلْعَبٌ لِلْعُوَّمِ
فِي قَصِيدَةٍ يَرْجُزُ فِيهَا ثُمَّ عُمِلَتْ عَلَى الْبِرْكَةِ الَّتِي بِالْمَعْلَاةِ سُفْلًا وَعُلْوًا يَكُونُ فِيهِ قَيِّمُ الْبِرْكَةِ الَّذِي يَحْرُسُهَا وَيَقُومُ بِمَصْلَحَتِهَا، وَجَعَلَ لِذَلِكَ بَابَ دَارٍ، مُبَوَّبٍ بِفَرْخٍ صَغِيرٍ فِيهِ، وَعَلَيْهِ طَاقٌ مَعْقُودٌ، وَكُتِبَ عَلَى وَجْهِ الْبِرْكَةِ كِتَابٌ هُو قَائِمٌ إِلَى الْيَوْمِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، بَرَكَةٌ مِنَ اللهِ، مِمَّا أَمَرَتْ بِهِ أُمُّ جَعْفَرٍ بِنْتُ أَبِي الْفَضْلِ جَعْفَرِ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَنْصُورِ، رَضِيَ اللهُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، بِإِجْرَاءِ هَذِهِ الْعُيُونِ، سِقَايَةً لِحُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ وَأَهْلِ حَرَمِهِ، طَلَبَ ثَوَابِ اللهِ وَقُرْبَةً إِلَيْهِ، عَلَى يَدَيْ يَاسٍ خَادِمِهَا وَمَوْلَاهَا، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَهَذَا الْكِتَابُ مَكْتُوبٌ بِجَصٍّ وَمَرْمَرٍ، قَدْ سُوِّدَ بِالسَّوَادِ، ثُمَّ تَحْتَ هَذَا الْكِتَابِ كِتَابُ بَايَقَاسَ: مِمَّا جَرَى عَلَى يَدَيْ أَبِي إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، أَطَالَ اللهُ بَقَاءَهُ وَأَدَامَ عِزَّهُ وَكَرَامَتَهُ وَعَلَى هَذِهِ الْعُيُونِ أَمْوَالٌ لِأُمِّ جَعْفَرٍ فِي مَخَالِيفِ مَكَّةَ وَبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا، وَغَلَّاتٌ مَحْبُوسَةٌ عَلَى هَذِهِ الْعُيُونِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا -[156]- وَقَدْ كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ عَمِلَ الْبِرْكَةَ الَّتِي بِالْحَصْحَاصِ، إِذَا أَشْرَفْتَ مِنْ ثَنِيَّةِ الْحَصْحَاصِ تُرِيدُ التَّنْعِيمَ، وَصَرَفَ مَاءَ فَخٍّ إِلَيْهَا، وَجَعَلَ لَهَا فَلْجًا مِنْ عَيْنِ فَخٍّ يَصُبُّ فِي بِرْكَةٍ عَمِلَهَا عِنْدَ الثَّنِيَّةِ، ثُمَّ تُرِكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْبِرْكَةُ قَائِمَةٌ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ

نام کتاب : أخبار مكة نویسنده : الفاكهي، أبو عبد الله    جلد : 3  صفحه : 119
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست