وقد رد بعض الأجلة كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. وقال: كل ما ورد في الحديث من قوله كتب فمعناه أمر بالكتابة كما يقال: كتب السلطان بكذا لفلان. وتقديم قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِهِ} على قوله سبحانه: {وَلا تَخُطُّهُ} كالصريح في أنه عليه الصلاة والسلام لم يكتب مطلقا.
وكون القيد المتوسط راجعا لما بعده غير مطرد. وظن بعض الأجلة رجوعه إلى ما قبله وما بعده فقال: يفهم من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان قادرا على التلاوة والخط بعد إنزال الكتاب ولولا هذا الاعتبار لكان الكلام خلوا عن الفائدة. وأنت تعلم أنه لو سلم ما ذكره من الرجوع لا يتم أمر الإفادة إلا إذا قيل بحجية المفهوم والظان ممن لا يقول بحجيته.
ثم قال الألوسي في تفنيد هذه الردود ما نصه:
ولا يخفى أن قوله عليه الصلاة والسلام: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" ليس نصا في استمرار نفي الكتابة عنه عليه الصلاة والسلام. ولعل ذلك باعتبار أنه بعث عليه الصلاة والسلام وهو وأكثر من بعث إليهم وهو بين ظهرانيهم من العرب أميون لا يكتبون ولا يحسبون فلا يضر عدم بقاء وصف الأمية في الأكثر بعد. وأما ما ذكر من تأويل كتب بأمر بالمكاتبة فخلاف الظاهر. وفي شرح صحيح مسلم للنووي عليه الرحمة نقلا عن القاضي عياض إن قوله في الرواية التي ذكرناها: ولا يحسن يكتب فكتب كالنص في أنه صلى الله عليه وسلم كتب بنفسه فالعدول عنه إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه ثم قال: وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسألة وشنعت كل فرقة على الأخرى في هذا. فالله تعالى أعلم اهـ.
وأقول إن التشنيع ليس من دأب العلماء ولا من أدب الباحثين. والمسألة التي نحن بصددها مسألة نظرية. والحكم في أمثالها يجب أن يكون لما رجح من الأدلة لا للهوى