العامل السادس
شجاعة الأصحاب شجاعة فطرية وصراحتهم صراحة طبيعية نشؤوا عليهما منذ حداثتهم وطبعوا عليهما بفطرتهم وبيئتهم كأمة متبدية لا تعرف ختل الحضارة الملوثة ولا تألف نفاق المدنية المذبذبة. ثم جاء الإسلام فعزز فيهم هذا الخلق الفاضل وزادهم منه وبنى حضارته الصحيحة ومدنيته الطاهرة عليه بمثل ما سمعت في أصدق الحديث وخير الهدى. حتى لقد كان الرجل منهم يقف في وسط الجمهور يرد على أمير المؤمنين وهو يلقي خطاب عرشه ردا قويا صريحا خشنا. بل كانت المرأة تقف في بهرة المسجد الجامع فتقاطع خليفة المسلمين وهو يخطب وتعارض رأيه برأيها وتقرع حجته بحجتها فيما تعتقد أنه أخطأ فيه شاكلة الصواب وأمير المؤمنين في الحالين يغتبط بهاتيك الصراحة ويسر بتلك الشجاعة ويعلن اغتباطه بموقف ذلك العربي الخشن الذي رد عليه كما يعلن رجوعه عن رأيه إلى رأي هذه السيدة التي حاجته بين يديه وما أمر عمر ببعيد عنكم ولا مجهول لكم لا عند ولايته الخلافة وهو قائم يلقي خطاب عرشه ولا عند ما وقف على منبره ينهى عن التغالي في مهور النساء.
فهل يرضى العقل والمنطق أن تجرح هذه الأمة الصريحة القوية وتتهم بالكذب أو بالسكوت على الكذب في كلام الله وفي سنة رسول الله؟.
ثم ألا يحملهم هذا الخلق المشرق فيهم على كمال التثبت ودقة التحري في كتاب الله وسنة رسول الله؟ لقد أسفر الصبح لذي عينين.