العامل الرابع
أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا مغرمين بالتفقه والتعلم مولعين بالبحث. والتنقيب مشغوفين بكلام الله وكلام رسول الله يعقدون المجالس لمدارسة القرآن وفهمه ويركبون ظهور المطايا لطلب العلم وأخذه. وكانت عناية الرسول بتعليمهم القرآن تفوق كل عناية يقرؤه عليهم ويخطبهم به ويزين إمامته لهم بقراءته في صلاته وفي دروسه وعظاته. وكان فوق ذلك يحب أن يسمعه منهم كما يحب أن يقرأه عليهم. روى البخاري ومسلم أن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ علي القرآن". قلت: يا رسول الله. أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري". فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} قال: "حسبك الآن" فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.
وكذلك كان الصحابة همتهم أن يقرؤوا القرآن ويستمعوه. روى الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار".
وروى الدارمي وغيره بأسانيدهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول لأبي موسى الأشعري: ذكرنا ربنا فيقرأ عنده القرآن. قال النووي: وقد مات جماعات من الصالحين بسبب قراءة من سألوه القراءة.
وقد سبق في عوامل حفظ الصحابة للسنة مدى عنايتهم بالإقبال عليها والاهتمام بلقاء