نام کتاب : مباحث في علوم القرآن نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 32
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى، وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى، وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى، كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [1].
وأشد من هذا كله ما يوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، من الإنذار والتهديد، في مثل قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [2].
وهذا الإنذار يبلغ القمة، فيستصغر بعده كل تهديد وكل وعيد، حين يقول الله: {لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [3]، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [4]. وفي تفسير هذه الآيات يقول الزمخشري: "والمعنى: لو ادعى علينا شيئا لم نقله لقتلناه صبرا، كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معالجة بالسخط والانتقام. فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول. وهو أن يؤخذ بيده وتضرب عنقه"[5].
من خلال هذه الآيات المتوعدة المنذرة, وتلك العاتبة المؤدبة، يبدو لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلوقا ضعيفا، بين يدي ربه ذي القدرة القاهرة، والقوة الكبرى, والإرادة التي لا معقب لها, ويبدو لنا أيضا كامل الوعي للفرق بين ذاته المأمورة وذات الله الآمرة؛ وبوعيه الكامل هذا كان عليه السلام يفرق بوضوح بين الوحي الذي ينزل عليه وبين أحاديثه الخاصة التي كانت يعبر عنها بإلهام من الله: فما يجول في نفسه من خواطر وأفكار كان ذا صفة إنسانية محضة لا يمكن أن تختلط بالكلام الرباني.
لذلك نهى عليه السلام أول العهد [1] سورة الأعمى 1-11. [2] الإسراء 74-75. [3] الوتين: نياط القلب، وهو حبل الوريد، إذا قطع مات صاحبه. [4] الحاقة 44-47. [5] الكشاف 4/ 137.
نام کتاب : مباحث في علوم القرآن نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 32