يرعى بغنمه حاربت عصاه التنين، وهذه العصا أعطاه إياها شعيب عليه السلام وهي عصا آدم، وقد وقعت على يد موسى سبع مرات وهو عند شعيب، وقد وعد موسى بأن يكون له الدرع من أولاد غنمه، فولدت كلها درعا، وهذه معجزة أيضا إذ لم يسبق أن أغناما كثيرة تلد كلها درعا على نمط واحد، ولم يكن موسى إذ ذاك نبيا لتكون هذه المعجزات له، فتكون كلها لشعيب. هذا، وبعد أن أهلك الله قومه أرسله إلى أصحاب الأيكة فأهلكهم الله بعذاب يوم الظلة كما سيأتي في الآية 189 من سورة الشعراء الآتية، ولم يبعث الله نبيا مرتين غيره فهذا من خصائصه أيضا وهي فضيلة عظيمة، وقيل إنه بعث مرة ثالثة إلى أصحاب الرّس المبينة في الآية 12 من سورة ق المارة، وإن إهلاك قومه مرتين لعدم اجابتهم دعوته بعد معجزة أيضا.
مطلب في عمى شعيب عليه السلام:
وهنا مسألة وهي أن العلماء نصّوا على أن الأنبياء سالمون من كل عيب ونقص حسي أو معنوي، ولا شك أن العمى نقص حسي، ومما هو شائع أن سيدنا شعيب كان أعمى، فإذا صح ذلك فيكون هذا طارئا عليه بعد النبوة كبلاء أيوب وعمى يعقوب عليهم السلام، إلا أن بلاء أيوب وعمى يعقوب زالا بحياتهما بنص القرآن لأنه من جملة ما ابتلى به أصفياءه ليختبرهم أي ليظهر للناس حالهم معه مع وجود البلاء وإلا فهو عالم بهم قبل، فلو كان عمى شعيب من هذا أقيل لذكره الله في القرآن كما ذكر بلاء غيره، وإذ لم يذكره فلا محل للقول بعماه، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية 84 من سورة يوسف في ج 2 والآية 25 من سورة القصص الآتية، فظهر من هذا أنه لو كان أعمى حقيقة لما أغفله القرآن، وعليه فإن القول بعماه غير صحيح، قال تعالى «وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ: أَشْياءَهُمْ» حقوقهم في الكيل والوزن والذرع وغيره أي لا تقصوها، أدوها كاملة وافية فإنه أبرأ الذمة.
وأمرأ للقلب «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» بأن تسلبوا أو تقتلوا أو تؤذوا المارة والقارّة من العباد «بَعْدَ إِصْلاحِها» ببعثة الرسل الذين أقاموا فيها العدل بين الناس وحاربوا الفساد والظلم، بل اسلكوا طريقهم أيها الناس في الإصلاح النافع