أما عقلا وطبعا فإن العقول السليمة والطبيعة الطاهرة لم تألفه لشدة قبحه فعلا ومحلا، وأما شرعا فلأن حرمة الزنا تزول بالتزويج والحد والشراء إذا كان المفعول به رقيقا ولا يمكن شيء من ذلك في اللواطة. وقول الإمام بعدم الحدّ تعليظا لأن الحد مطهر عنده، وبه قال أكثر العلماء، وعليه فيلقى الله من أجري عليه الحد خاليا مما عمله بخلاف ما لا حد فيه كاللواطة، فإنه يلقى الله فاعلها ملوثا بجرمه.
هذا، وإن بعض السفهاء والفسقة خبيثي النفوس نجسي العقيدة كابن الوليد المذكور أخزاهم الله جميعا وأذلهم، يفتخرون بمثل هذه الفعلة الفظيعة ومنهم يفعلها انتقاما انتقم الله منه في الدنيا والآخرة، ومن المفعول بهم من اتخذها مهنة، أهانه الله، ومنهم من يقدم نفسه لبعض الخبثاء أمثالهم من الموظفين ومن هو واسطة لهم لعنهم الله وأزال نعمه عنهم ليوظفه أضافه الله لإخوانه قوم لوط، وفضحهم في الدنيا وعذبهم في الآخرة، ومنهم من ابتلي بها والعياذ بالله حتى أنهم ليعطون مالا لمن يفعل بهم وهم كثيرون في زماننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، لأنهم تقوا بنعمتك على معصيتك. قال تعالى «وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً» بن ثوبب بن مدين بن إبراهيم عليهما السلام، أي أرسله إلى قومه ولد مدين ومدين صارا اسما للقبيلة، وكان عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه، وكانوا كافرين ينقصون الكيل ويبخسون الميزان، فبادر بنصحهم وتحذيرهم عاقبة أمرهم «قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ» موعظة «مِنْ رَبِّكُمْ» فاتعظوا بها، ولم تذكر لسيدنا شعيب معجزة في القرآن والقول بأنه لم يكن له معجزة غلط لأن الفاء في قوله جل قوله «فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ» أتت لترتيب الأمر على مجيء البينة، والقول بأنها عاطفة على (اعْبُدُوا) بعيد لا يكاد يقوله عارف، وعدم ذكرها في القرآن لا يدل على عدم تخصيصه بشيء من المعجزات التي لا بد لكل نبي منها دلالة على صدق دعوته مما من شأنه أن يعجز البشر على مثله، ومن المعلوم أن ليس كل آيات الأنبياء مذكورة في القرآن العظيم وما من عموم إلا وقد خصص، وروي أنه لما كان موسى عليه السلام عنده