النزول، حينما عقد الشورة الأصحاب في كيفية جمعه وترتيبه على حده، وحينما أرادوا نسخه على الصحف، لأنهم كلهم يعلمون أن ترتيب نزوله غير ترتيب جمعه، وإذ ذاك قال محمد بن سيرين لعلي من القوة كما انزل: الأول فالأول، وما يدريك ما رأيه عليه السلام؟ ومرماه:
مرام سطّ مرمى العقل فيه ... ودون مداه بيد لا تبيد
ومن هنا يعرف القارئ الذكي، أن ما تعالى به علماء النسخ والمنسوخ عبارة عن الآيات المقيدة والمخصصة بالنسبة للآيات المطلقة والعامة، ولعدم مراعاة هذين الأصلين، وعدم الاعتناء بتاريخ النزول، وأسبابه للتيقن من المقدم والمؤخر، وعدم أخذهم بما أجمع عليه الجمهور، بأن المقدم لا ينسخ المؤخر، وعدم مراعاتهم حكمة التشريع الالهي بحسب التدريج، أوصلوا الآيات المنسوخة الى مائتين، كما هو بين في تفسير الشيخ محمد الجزّي، على أن القرآن العظيم ناسخ لما تقدم من الكتب والصحف لا منسوخ البتة، وأطالوا البحث فيه، كما أطالوه في المتعة الآتي بحثها في أول سورة النساء، في ج 3، وسيأتي بحث النسخ في الآية (106) من سورة البقرة، ما يوسع من هذا إن شاء الله، نعم يوجد فيه بعض آيات عجز طوق البشر عن تأويلها، فقال بعضهم بنسخها، إلا أن تحاشي القول بالنسخ أصوب وأحمي للعقيدة، فقد روى البخاري عن ابن الزبير، قال قلت لعثمان (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) الآية 240 من البقرة في ج 3، وقد نسختها الآية الأخرى، (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) عدد 4 من سورة الطلاق في ج 3 أيضا (المار ذكرها آنفا) فلم نكتبها وندعها، قال عثمان: يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه، وذلك لان الآية الأولى غير منسوخة بالثانية، كما فصلناه، راجع تفسيرهما في محلهما.
ومن المعلوم أن آياته منها ما وقع تفسيرها زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم، ومنها ما وقع زمن أصحابه من بعده، ومنها ما وقع بعدهم، ومنها لم يقع حتى الآن، والليالي حبالى، وسيلدن الأمر العجيب مما سيظهر فيها من معجزاته الغامضة، ولا تحديد لكلمات الله، وسترى إن شاء الله، ما بشرح صدرك أيها القارئ، وتقر عينك، من تقييد المعاني،