نام کتاب : المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها نویسنده : ابن جني جلد : 1 صفحه : 128
ويُحسِّن هذه القراءة: أنك إنما تنهى الإنسان عن فعله هو، والتناسي من فعله، فأما النسيان فظاهره أنه من فعل غيره به، فكانه أُنسي فنَسِيَ، قال الله سبحانه: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [1].
وزاد في حسنه شيء آخر؛ وهو أن المأمور هنا جماعة، وتفاعَلَ لائق بالجماعة؛ كتقاطعوا وتواصلوا وتقاربوا وتباعدوا. فأما قوله تعالى: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [2] فلاقَ به فعل "نسي"؛ لأن المأمور هنا واحد، ولأن العرف والعادة أن الإنسان لا يكاد يُحض على ما هو حلال له؛ بل الغالب المعتاد أن يُكفَّ عما ليس له تناوله، وعليه وضع التكليف لما يُستحق عن الطاعة فيه من الثواب، قال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ} [3]، وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [4]، والآي في ذلك كثيرة.
فقوله إذن: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [3] أي: لك فيها حظ وحلال فتناوله، فلا بأس بتناول الحلال.
ولو قيل: "ولا تناس نصيبك" لكان فائدته: لا تُظهر سهوك عنه، وتتظاهر بنسيانك إياه، وذلك إذا ترك الحلال وهو في صورة الساهي عنه لم تكن له في النفوس منزلة الذي يتركه وهو عالم بحِلِّه له، وإباحته إياه، هذا هو العادة والعرف فيما يتعاطاه أهل الدنيا بينهم.
ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحن السلمي: "ألم تَرْ إلى الملأ"[5] ساكنة الراء. "27و"
قال أبو الفتح: هذا لعمري هو أصل الحرف: رأَى يرأَى كرعَى يرعَى، إلا أن أكثر لغات العرب فيه تخفيف همزته؛ بحذفها وإلقاء حركتها على الراء قبلها على عبرة التخفيف في نحو ذلك، وصار حرف المضارعة كأنه بدل من الهمزة، وهو قولهم: انت ترى وهو يرى ونحن نرى، وكذلك أفعل منه، كقول الله سبحانه: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [6] وأصله: أَرْآك الله، وحكاها صاحب الكتاب عن أبي الخطاب[7]، ثم إنه قد جامع هذا تحقيق هذه الهمزة وإخراجها على أصلها، وذلك كقول سراقة البارقي:
أُرِي عينيَّ ما لم تَرْأَيَاه ... كلانا عالم بالتُّرَّهَات8 [1] سورة الكهف: 63. [2] سورة القصص: 77. [3] سورة طه: 131. [4] سورة الأعراف: 199. [5] سورة البقرة: 246. [6] سورة النساء: 105. [7] هو عبد الحميد بن عبد المجيد أبو الخطاب الأخفش الأكبر، مولى قيس بن ثعلبة أحد الأخافشة الثلاثة المشهورين، كان إمامًا في العربية، لقي الأعراب وأخذ عنهم وعن أبي عمرو بن العلاء، أخذ عنه سيبويه والكسائي ويونس. بغية الوعاة: 296.
8 انظر: ديوان سراقة: 78، واللسان "رأى"، والنوادر: 185، والترهات: الأباطيل، واحدها ترهة.
نام کتاب : المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها نویسنده : ابن جني جلد : 1 صفحه : 128