responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 66
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلْت هَذَا التَّأْوِيلَ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ الَّذِي ذَكَرْت مَعَ احْتِمَالِ الْآيَةِ لِلتَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا؟ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُمَا وَلَيْسَا مُتَنَافِيَيْنِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا, وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ قَدْ قَالَا: إنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ, وَذَلِكَ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَإِنَّمَا يُقَالُ تَوْقِيفًا فَهُوَ أَوْلَى; لِأَنَّهُمَا ذَكَرَا سَبَبَ نُزُولِهَا وَالْقِصَّةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا, فَهُوَ أَوْلَى.
فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْجَدَّ. قِيلَ لَهُ: إنَّمَا ذَكَرَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَتِيمَةِ الَّتِي فِي حِجْرِهِ وَيَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا, وَالْجَدُّ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا, فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ ابْنُ الْعَمِّ وَمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ مِنْ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْآيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْكَبِيرَةِ; لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: إنَّ الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِنَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} [النساء: من 127] يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قال: فلما قال: {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْكِبَارُ مِنْهُنَّ دُونَ الصِّغَارِ; لِأَنَّ الصِّغَارَ لَا يُسَمَّيْنَ نِسَاءً. قِيلَ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} حَقِيقَتُهُ تَقْتَضِي اللَّاتِي لَمْ يَبْلُغْنَ, لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُتْمَ بَعْدَ بُلُوغِ الْحُلُمِ", وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَلَامِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِدَلَالَةٍ, وَالْكَبِيرَةُ تُسَمَّى يَتِيمَةً عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ, وقَوْله تَعَالَى: {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْت; لِأَنَّهُنَّ إذَا كُنَّ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ جَازَتْ إضَافَتُهُنَّ إلَيْهِنَّ, وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وَالصِّغَارُ وَالْكِبَارُ دَاخِلَاتٌ فِيهِنَّ, وَقَالَ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَالصِّغَارُ وَالْكِبَارُ مُرَادَاتٌ بِهِ, وَقَالَ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا; فَلَيْسَ إذًا فِي إضَافَةِ الْيَتَامَى إلَى النِّسَاءِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُنَّ الْكِبَارُ دُونَ الصِّغَارِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ لَا يَصِحُّ فِي الْكِبَارِ; لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ إذَا رَضِيَتْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ النِّكَاحُ, وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهَا, فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الصِّغَارُ اللَّاتِي يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِنَّ فِي التَّزْوِيجِ مَنْ هُنَّ فِي حِجْرِهِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: كَانَ الَّذِي زَوَّجَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ ابْنُهَا سَلَمَةُ, فَزَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتَ حَمْزَةَ وَهُمَا صَبِيَّانِ صَغِيرَانِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا حَتَّى مَاتَا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ جَزَيْت سَلَمَةَ بِتَزْوِيجِهِ إيَّايَ أُمَّهُ؟ ", وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ زَوَّجَهُمَا وَلَيْسَ بِأَبٍ وَلَا

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 66
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست