responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 36
لِأَنَّهُ يَشْهَدُ الدَّلِيلَ الَّذِي يُمَيَّزُ بِهِ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ.
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} . رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ فِي قوله {حَقَّ تُقَاتِهِ} : "هُوَ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى". وَقِيلَ إنَّ مَعْنَاهُ اتِّقَاءُ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي نَسْخِهِ; فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ, وَعَنْ قَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَالسُّدِّيِّ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ; فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً; لِأَنَّ مَعْنَاهُ اتِّقَاءُ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ, وَعَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ اتِّقَاءُ جَمِيعِ الْمَعَاصِي. وَلَوْ كَانَ مَنْسُوخًا لَكَانَ فِيهِ إبَاحَةُ بَعْضِ الْمَعَاصِي, وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: إنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِأَنْ يَكُونَ معنى قوله {حَقَّ تُقَاتِهِ} الْقِيَامَ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَالِ الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ, وَتَرْكَ التَّقِيَّةِ فِيهَا, ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي حَالِ التَّقِيَّةِ وَالْإِكْرَاهِ, وَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} فِيمَا لَا تَخَافُونَ فِيهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ, يُرِيدُ: فِيمَا لَا يَكُونُ فِيهِ احْتِمَالُ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ; لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ نَفْيُ الِاسْتِطَاعَةِ فِيمَا يَشُقُّ عَلَى الْإِنْسَانِ فِعْلُهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} [الكهف: 101] وَمُرَادُهُ مَشَقَّةُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
قَوْله تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} . رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى الْحَبْلِ هَهُنَا: "أَنَّهُ الْقُرْآنُ" وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ. وَقِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ دِينُ اللَّهِ. وَقِيلَ: بِعَهْدِ اللَّهِ; لِأَنَّهُ سَبَبُ النَّجَاةِ كَالْحَبْلِ الَّذِي يُتَمَسَّكُ بِهِ لِلنَّجَاةِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَيُسَمَّى الْأَمَانُ الْحَبْلَ; لِأَنَّهُ سَبَبُ النَّجَاةِ, وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} يَعْنِي بِهِ الْأَمَانَ. إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} أَمْرٌ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهْيٌ عَنْ الْفُرْقَةِ, وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: {وَلا تَفَرَّقُوا} مَعْنَاهُ التَّفَرُّقُ عَنْ دِينِ اللَّهِ الَّذِي أُمِرُوا جَمِيعًا بِلُزُومِهِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَقَتَادَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: "وَلَا تَفَرَّقُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ فَرِيقَانِ مِنْ النَّاسِ: أَحَدُهُمَا: نُفَاتَ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ, مِثْلُ النِّظَامِ, وَأَمْثَالِهِ مِنْ الرَّافِضَةِ. وَالْآخَرُ مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ, وَيَقُولُ مَعَ ذَلِكَ: إنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ مِنْ أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ, وَيُخْطِئُ مَنْ لَمْ يُصِبْ الْحَقَّ عِنْدَهُ; صلى الله على محمد: {وَلا تَفَرَّقُوا} . فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ التَّفَرُّقُ وَالِاخْتِلَافُ دِينًا لِلَّهِ تَعَالَى مَعَ نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ. وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا كَمَا قَالُوا; لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنْحَاءَ: مِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ الْخِلَافُ فِيهِ, وَهُوَ الَّذِي دَلَّتْ الْعُقُولُ عَلَى حَظْرِهِ فِي كُلِّ حَالٍ أَوْ عَلَى إيجَابِهِ فِي كُلِّ حَالٍ; فَأَمَّا مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ تَارَةً وَاجِبًا وَتَارَةً مَحْظُورًا وَتَارَةً مُبَاحًا, فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 36
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست