responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 345
ذِكْرُ الْقَوْلِ فِي الشَّفَقِ وَالِاحْتِجَاجِ لَهُ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الشَّفَقِ, فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ: "هُوَ الْحُمْرَةُ" وَقَالَ آخَرُونَ: "الْبَيَاضُ". عَلِمْنَا أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمَا وَيَقَعُ عَلَيْهِمَا فِي اللُّغَةِ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِمَا; إذْ كَانُوا عَالِمِينَ بِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْقُرْءِ فَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحَيْضِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الطُّهْرِ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ يَقَعُ عَلَيْهِمَا؟ وَإِنَّمَا نَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ نَسْتَدِلَّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُمَا بِالْآيَةِ. وَحَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ قَالَ: سُئِلَ ثَعْلَبٌ عَنْ الشَّفَقِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: الْبَيَاضُ; فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: الشَّوَاهِدُ عَلَى الْحُمْرَةِ أَكْثَرُ, فَقَالَ ثَعْلَبٌ: إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الشَّاهِدِ مَا خَفِيَ فَأَمَّا الْبَيَاضُ فَهُوَ أَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الشَّاهِدِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيُقَالُ إنَّ أَصْلَ الشَّفَقِ الرِّقَّةُ, وَمِنْهُ يُقَالُ ثَوْبٌ شَفَقٌ, وَمِنْهُ الشَّفَقَةُ وَهِيَ رِقَّةُ الْقَلْبِ. وَإِذَا كَانَ أَصْلُهُ كَذَلِكَ فَالْبَيَاضُ أَخَصُّ بِهِ; لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَجْزَاءِ الرَّقِيقَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ ضِيَاءِ الشَّمْسِ, وَهُوَ فِي الْبَيَاضِ أَرَقُّ مِنْهُ فِي الْحُمْرَةِ; وَيَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ بِالْحُمْرَةِ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:
حَتَّى إذَا الشَّمْسُ اجْتَلَاهَا الْمُجْتَلِي ... بَيْنَ سِمَاطَيْ شَفَقٍ مُهْوَلِ1
فَهِيَ عَلَى الْأُفْقِ كَعَيْنِ الْأَحْوَلِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَرَادَ الْحُمْرَةَ; لِأَنَّهُ وَصَفَهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ.
وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِلْبَيَاضِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق:16] , قَالَ مُجَاهِدٌ: "هُوَ النَّهَارُ". وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق:17] فَأَقْسَمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ, فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّفَقُ الْبَيَاضَ; لِأَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ هُوَ طُلُوعُ بَيَاضِ الْفَجْرِ, وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْبَيَاضِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ هُوَ الشَّفَقُ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْبَيَاضُ قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] , وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الدُّلُوكَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْغُرُوبِ, ثُمَّ جُعِلَ غَسَقُ اللَّيْلِ غَايَتَهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي غَسَقِ اللَّيْلِ: "أَنَّهُ اجْتِمَاعُ الظُّلْمَةِ" وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ غَيْبُوبَةِ الْبَيَاضِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ مَا دَامَ بَاقِيًا فَالظُّلْمَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأُفُقِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ إلَى غيبوبة البياض, فثبت أن المراد البياض.

1 قوله: "مهول" هوالذي فيه تهاويل وهي اللوان المختلفة م ىحمرة وصفرة وغيرهما. "لمصححه".
الْمَنْعَ مِنْ الْجَمْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْتَانِ مُتَجَاوِرَيْنِ; لِأَنَّ كُلَّ صَلَاتَيْنِ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ لَيْسَ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.
ذِكْرُ الْقَوْلِ فِي الشَّفَقِ وَالِاحْتِجَاجِ لَهُ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الشَّفَقِ, فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ: "هُوَ الْحُمْرَةُ" وَقَالَ آخَرُونَ: "الْبَيَاضُ". عَلِمْنَا أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمَا وَيَقَعُ عَلَيْهِمَا فِي اللُّغَةِ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِمَا; إذْ كَانُوا عَالِمِينَ بِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْقُرْءِ فَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحَيْضِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الطُّهْرِ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ يَقَعُ عَلَيْهِمَا؟ وَإِنَّمَا نَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ نَسْتَدِلَّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُمَا بِالْآيَةِ. وَحَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ قَالَ: سُئِلَ ثَعْلَبٌ عَنْ الشَّفَقِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: الْبَيَاضُ; فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: الشَّوَاهِدُ عَلَى الْحُمْرَةِ أَكْثَرُ, فَقَالَ ثَعْلَبٌ: إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الشَّاهِدِ مَا خَفِيَ فَأَمَّا الْبَيَاضُ فَهُوَ أَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الشَّاهِدِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيُقَالُ إنَّ أَصْلَ الشَّفَقِ الرِّقَّةُ, وَمِنْهُ يُقَالُ ثَوْبٌ شَفَقٌ, وَمِنْهُ الشَّفَقَةُ وَهِيَ رِقَّةُ الْقَلْبِ. وَإِذَا كَانَ أَصْلُهُ كَذَلِكَ فَالْبَيَاضُ أَخَصُّ بِهِ; لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَجْزَاءِ الرَّقِيقَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ ضِيَاءِ الشَّمْسِ, وَهُوَ فِي الْبَيَاضِ أَرَقُّ مِنْهُ فِي الْحُمْرَةِ; وَيَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ بِالْحُمْرَةِ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:
حَتَّى إذَا الشَّمْسُ اجْتَلَاهَا الْمُجْتَلِي ... بَيْنَ سِمَاطَيْ شَفَقٍ مُهْوَلِ1
فَهِيَ عَلَى الْأُفْقِ كَعَيْنِ الْأَحْوَلِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَرَادَ الْحُمْرَةَ; لِأَنَّهُ وَصَفَهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ.
وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِلْبَيَاضِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق:16] , قَالَ مُجَاهِدٌ: "هُوَ النَّهَارُ". وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق:17] فَأَقْسَمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ, فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّفَقُ الْبَيَاضَ; لِأَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ هُوَ طُلُوعُ بَيَاضِ الْفَجْرِ, وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْبَيَاضِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ هُوَ الشَّفَقُ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْبَيَاضُ قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] , وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الدُّلُوكَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْغُرُوبِ, ثُمَّ جُعِلَ غَسَقُ اللَّيْلِ غَايَتَهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي غَسَقِ اللَّيْلِ: "أَنَّهُ اجْتِمَاعُ الظُّلْمَةِ" وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ غَيْبُوبَةِ الْبَيَاضِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ مَا دَامَ بَاقِيًا فَالظُّلْمَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأُفُقِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ إلَى غيبوبة البياض, فثبت أن المراد البياض.

1 قوله: "مهول" هوالذي فيه تهاويل وهي اللوان المختلفة م ىحمرة وصفرة وغيرهما. "لمصححه".
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 345
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست