responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 282
مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ", فَهَذَا فِعْلٌ مُسْتَحْسَنٌ فِي الْعُقُولِ مَقْبُولٌ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ; وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ أَبِيهِ وَلَا بِجَرِيرَةِ أَخِيهِ" "وَلَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ". لَا يَنْفِي وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَامَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ أَوْ يُطَالَبَ بِذَنْبِ سِوَاهُ.
وَلِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وُجُوهٌ سَائِغَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ فِي الْعُقُولِ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَتَعَبَّدَ اللَّهُ بَدِيًّا بِإِيجَابِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ لِهَذَا الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ كَانَ مِنْهُ, كَمَا أَوْجَبَ الصَّدَقَاتِ فِي مَالِ الْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَوْضُوعَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى النُّصْرَةِ وَالْمَعُونَةِ, وَلِذَلِكَ أَوْجَبَهَا أَصْحَابُنَا عَلَى أَهْلِ دِيوَانِهِ دُونَ أَقْرِبَائِهِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَتَنَاصَرُونَ عَلَى الْقِتَالِ وَالْحِمَايَةِ وَالذَّبِّ عَنْ الْحَرِيمِ؟ فَلَمَّا كَانُوا مُتَنَاصِرِينَ فِي الْقِتَالِ وَالْحِمَايَةِ أُمِرُوا بِالتَّنَاصُرِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى تَحَمُّلِ الدِّيَةِ لِيَتَسَاوَوْا فِي حَمْلِهَا كَمَا تُسَاوَوْا فِي حِمَايَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عِنْدَ الْقِتَالِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ زَوَالُ الضَّغِينَةِ وَالْعَدَاوَةِ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إذَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ, وَهُوَ دَاعٍ إلَى الْأُلْفَةِ وَصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَتَحَمَّلَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ مَا قَدْ لَحِقَهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى زَوَالِ الْعَدَاوَةِ وَإِلَى الْأُلْفَةِ وَصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ؟ كَمَا لَوْ قَصَدَهُ إنْسَانٌ بِضَرَرٍ فَعَاوَنَهُ وَحَمَاهُ عَنْهُ انْسَلَّتْ سَخِيمَةُ قَلْبِهِ وَعَادَ إلَى سَلَامَةِ الصَّدْرِ وَالْمُوَالَاةِ وَالنُّصْرَةِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ إذَا تَحَمَّلَ عَنْهُ جِنَايَتَهُ حَمَلَ عَنْهُ الْقَاتِلُ إذَا جَنَى أَيْضًا, فَلَمْ يَذْهَبْ حَمْلُهُ لِلْجِنَايَةِ عَنْهُ ضَيَاعًا بَلْ كَانَ لَهُ أَثَرٌ مَحْمُودٌ يُسْتَحَقُّ مِثْلُهُ عَلَيْهِ إذَا وَقَعَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ. فَهَذِهِ وُجُوهٌ كُلُّهَا مُسْتَحْسَنَةٌ فِي الْعُقُولِ غَيْرُ مَدْفُوعَةٍ, وَإِنَّمَا يُؤْتَى الْمُلْحِدُ الْمُتَعَلِّقُ بِمِثْلِهِ مِنْ ضِيقِ عَقْلِهِ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ; وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى حُسْنِ هِدَايَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ دِيَةِ الْخَطَإِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ, قَالَ أَصْحَابُنَا: "كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ مِنْ غَيْرِ صُلْحٍ فَهِيَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ". وَرَوَى أَشْعَثُ عَنْ الشُّعَبِيِّ وَالْحَكَمُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَا: "أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الْعَطَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَفَرَضَ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَثُلُثَيْ الدِّيَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَالنِّصْفُ فِي سَنَتَيْنِ وَمَا دُونَ ذَلِكَ فِي عَامِهِ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اسْتَفَاضَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ فَصَارَ إجْمَاعًا لَا يَسَعُ خِلَافُهُ.
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي الْعَاقِلَةِ مَنْ هُمْ, فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا: "الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا, وَالْعَاقِلَةُ هُمْ أَهْلُ دِيوَانِهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أُعْطِيَّاتِهِمْ حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مِنْ الدِّيَةِ كُلِّهَا

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 282
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست