responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 218
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي لَفْظِ الْبَيْعِ كَيْفَ هُوَ, قَالَ أَصْحَابُنَا: "إذَا قَالَ الرَّجُلُ بِعْنِي عَبْدَك هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ قَدْ بِعْتُك لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ حَتَّى يَقْبَلَ الْأَوَّلُ" وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ إيجَابُ الْبَيْعِ وَلَا قَبُولُهُ إلَّا بِلَفْظِ الْمَاضِي, وَلَا يَقَعُ بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ لِأَنَّ قَوْلَهُ" بِعْنِي" إنَّمَا هُوَ سَوْمٌ وَأَمْرٌ بِالْبَيْعِ وَلَيْسَ بِإِيقَاعٍ لِلْعَقْدِ, وَالْأَمْرُ بِالْبَيْعِ لَيْسَ بِبَيْعٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "أَشْتَرِي مِنْك" لَيْسَ بِشَرًى وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ; لِأَنَّ الْأَلِفَ لِلِاسْتِقْبَالِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْبَائِعِ" اشْتَرِ مِنِّي" وَقَوْلُهُ: "أَبِيعُك" لَيْسَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْعَقْدِ, وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ سَيَعْقِدُ أَوْ أَمْرٌ بِهِ. وَقَالُوا فِي النِّكَاحِ: "الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ" إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا: إذَا قَالَ: "زَوَّجَنِي بِنْتَك" فَقَالَ: "قَدْ زَوَّجْتُك" أَنَّهُ يَكُونُ نِكَاحًا وَلَا يَحْتَاجُ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قَبُولٍ, لِحَدِيثِ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْبَلْهَا, فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا فَرَاجَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُعْطِيهَا, إلَى أَنْ قَالَ لَهُ: "زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ" فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: "زَوِّجْنِيهَا" مَعَ قَوْلِهِ: "زَوَّجْتُكهَا" عَقْدًا وَاقِعًا; وَلِأَخْبَارٍ أُخَرَ قَدْ رُوِيت فِي ذَلِكَ; وَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصِدُ فِي النِّكَاحِ الدُّخُولَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَمَةِ, وَالْعَادَةُ فِي مِثْلِهِ أَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِيهِ بَيْنَ قَوْلِهِ: "زَوِّجْنِي" وَبَيْنَ قَوْلِهِ: "قَدْ زَوَّجْتُك" فَلَمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي النِّكَاحِ بِمَا وَصَفْنَا كَانَ قَوْلُهُ: "قَدْ تَزَوَّجْتُك" وَقَوْلُهُ: "زَوِّجِينِي نَفْسَك" سَوَاءً.
وَلَمَّا كَانَتْ الْعَادَةُ فِي الْبَيْعِ دُخُولَهُمْ فِيهِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ بَدِيًّا كَانَ ذَلِكَ سَوْمًا وَلَمْ يَكُنْ عَقْدًا, فَحَمَلُوهُ عَلَى الْقِيَاسِ. وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ إيجَابَ التَّمْلِيكِ وَإِيقَاعَ الْعَقْدِ إنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْعَقْدُ, وَهُوَ أَنْ يُسَاوِمَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ يَزِنَ لَهُ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذَ الْمَبِيعَ, فَجَعَلُوا ذَلِكَ عَقْدًا لِوُقُوعِ تَرَاضِيهِمَا بِهِ وَتَسْلِيمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ جَرَيَانَ الْعَادَةِ بِالشَّيْءِ كَالنُّطْقِ بِهِ; إذْ كَانَ الْمَقْصِدُ مِنْ الْقَوْلِ الْإِخْبَارَ عَنْ الضَّمِيرِ وَالِاعْتِقَادَ فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَجْرَوْا ذَلِكَ مَجْرَى الْعَقْدِ, وَكَمَا يُهْدِي الْإِنْسَانُ لَغَيْرِهِ فَيَقْبِضَهُ فَيَكُونَ قَبُولًا لِلْهِبَةِ; وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٍ ثُمَّ قَالَ: "مَنْ شَاءَ فَلِيَقْتَطِعْ" فَقَامَ الِاقْتِطَاعُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبُولِ لِلْهِبَةِ فِي إيجَابِ التَّمْلِيكِ. فَهَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هِيَ طُرُقُ التَّرَاضِي الْمَشْرُوطِ فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} .
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: إذَا قَالَ: "بِعْنِي هَذَا بِكَذَا" فَقَالَ: "قَدْ بِعْتُك" فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ حَتَّى يَقُولَ: "قَدْ زَوَّجْتُكهَا" وَيَقُولَ الْآخَرُ: "قَدْ قَبِلْت تَزْوِيجَهَا" أَوْ يَقُولَ الْخَاطِبُ: "زَوِّجْنِيهَا" وَيَقُولَ الْوَلِيُّ: "قَدْ زَوَّجْتُكهَا" فَلَا يَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى قَوْلِ الزَّوْجِ قَدْ قَبِلْت.

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست