responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 145
وَقَدْ زَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى قَاتِلِ الْخَطَإِ كَانَ قَاتِلُ الْعَمْدِ بِهِ أَوْلَى, إذْ كَانَ حُكْمُ الْعَمْدِ أَغْلَظَ مِنْ حُكْمِ الْخَطَإِ; أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَطْءَ لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ بِزِنًا أَوْ غَيْرِهِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ فَسَادِ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَوُجُوبِ الْغُسْلِ؟ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي حُكْمِ التَّحْرِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَطْءُ الْمُبَاحُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ فِي إيجَابِ الْمَهْرِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالزِّنَا. قِيلَ لَهُ: قَدْ تَعَلَّقَ بِالزِّنَا مِنْ إيجَابِ الرَّجْمِ أَوْ الْجَلْدِ مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْ إيجَابِ الْمَالِ, وَعَلَى أَنَّ الْمَالَ وَالْحَدَّ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى الْوَطْءِ; لِأَنَّهُ مَتَى وَجَبَ الْحَدُّ لَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ وَمَتَى وَجَبَ الْمَهْرُ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ, فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْلُفُ الْآخَرَ, فَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ فَذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَالِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ مِنْ الْحُكْمِ, فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ الْجَزَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بُهْلُولٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سَلَمَةَ الزُّهْرِيُّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ حَرَامًا أَيَنْكِحُ أُمَّهَا؟ أَوْ يَتْبَعُ الْأُمَّ حَرَامًا أَيَنْكِحُ ابْنَتَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ إنَّمَا يَحْرُمُ مَا كَانَ بِنِكَاحٍ" ; وَبِمَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ". وَرَوَى عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُفْسِدُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ". فَإِنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَة وَرُوَاتُهَا غَيْرُ مَرْضِيِّينَ, أَمَّا الْمُغِيرَةُ بْنُ إسْمَاعِيلَ فَمَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ لَا يَجُوزُ ثُبُوتُ شَرِيعَةٍ بِرِوَايَتِهِ لَا سِيَّمَا فِي اعْتِرَاضِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ, وَإِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ مَطْعُونٌ فِي رِوَايَتِهِ, وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ, وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ إنَّمَا ذُكِرَ فِيهِ الرَّجُلُ يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَطْءِ, فَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحْرُمُ إلَّا مَا كَانَ بِنِكَاحٍ" جَوَابًا عَمَّا سَأَلَهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْمَرْأَةِ, وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يُتْبِعَهَا نَفْسَهُ فَيَكُونَ مِنْهُ نَظَرٌ إلَيْهَا أَوْ مُرَاوَدَتُهَا عَلَى الْوَطْءِ. وَلَيْسَ فِيهِ إثْبَاتُ الْوَطْءِ, فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمًا وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِمِثْلِهِ التَّحْرِيمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ. بَيْنَهُمَا عَقْدُ نِكَاحٍ وَلَيْسَ فِيهِ لِلْوَطْءِ ذِكْرٌ; وَقَوْلُهُ: "لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ" إنَّمَا هُوَ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ مِنْ اتِّبَاعِ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ, وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُهُ: "لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ" فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا إنْ صَحَّتْ, فَكَانَ جَوَابًا لِمَا سُئِلَ عَنْهُ مِنْ النَّظَرِ وَالْمُرَاوَدَةِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ, وَتَكُونُ فَائِدَتُهُ إزَالَةَ تَوَهُّمِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ النَّظَرَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ قَالَ: "زِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا الرِّجْلَيْنِ المشي"

مطلب" في مناظر جرت بين الإمام الشافعي مع بعض الناس في قوله: "إن الحرام لا يحرم الحلال",
...
شَائِعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَلَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ لَنُقِلَ وَاسْتَفَاضَ, فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} : فَإِنَّكُمْ غَيْرُ مُؤَاخَذِينَ بِهِ وَذَلِكَ; لِأَنَّهُمْ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ كَانُوا مُقِرِّينَ عَلَى أَحْكَامِهِمْ, فَأَعْلَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤَاخَذِينَ فِيمَا لَمْ تَقُمْ عِنْدَهُمْ حُجَّةُ السَّمْعِ بِتَرْكِهِ, فَلَا احْتِمَالَ فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا; وقَوْله تعالى: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} عِنْدَ ذِكْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا هَهُنَا, وَسَنَذْكُرُهُ إذَا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمَعْنَى: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} هَهُنَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَقَوْلِهِ: "لَا تَلْقَ فُلَانًا إلَّا مَا لَقِيت" يَعْنِي لَكِنْ مَا لَقِيت فَلَا لَوْمَ عَلَيْك فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} هَذِهِ الْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنْ النِّكَاحِ; وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: النِّكَاحُ بَعْدَ النَّهْيِ فَاحِشَةٌ, وَمَعْنَاهُ هُوَ فَاحِشَةٌ, فَـ "كَانَ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُلْغَاةٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِهِمْ, قَالَ الشَّاعِرُ:
فَإِنَّك لَوْ رَأَيْت دِيَارَ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ
فَأَدْخَلَ" كَانَ" وَهِيَ مُلْغَاةٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا; لِأَنَّ الْقَوَافِيَ مَجْرُورَةٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 17] وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ فَاحِشَةٌ فَلَا تَفْعَلُوا مِثْلَهُ, وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ حُجَّةِ السَّمْعِ عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِهِ, وَمَنْ قَالَ هَذَا جَعَلَ قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} فَإِنَّهُ يَسْلَمُ مِنْهُ بِالْإِقْلَاعِ عَنْهُ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ فَاحِشَةٌ بَعْدَ نُزُولِ التَّحْرِيمِ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُرَادٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ لَا مَحَالَةَ, وَلَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ حُجَّةَ السَّمْعِ قَدْ كَانَتْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِهِ مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَيَسْتَحِقُّونَ اللَّوْمَ عَلَيْهِ; وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا سَلَفَ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ عَقَدَ نِكَاحًا عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ وَوَطِئَهَا كَانَ وَطْؤُهُ زِنًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ; لِأَنَّهُ سَمَّاهَا فَاحِشَةً, وقال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] قِيلَ لَهُ: الْفَاحِشَةُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ, وَقَدْ رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ بَيْتِهِ فَاحِشَةٌ. وَرُوِيَ أَنَّ الْفَاحِشَةَ فِي ذَلِكَ أَنْ تَسْتَطِيلَ بِلِسَانِهَا عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا, وَقِيلَ فِيهَا: إنَّهَا الزِّنَا. فَالْفَاحِشَةُ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ, وَلَيْسَ يَخْتَصُّ بِالزِّنَا دُونَ غَيْرِهِ حَتَّى إذَا أُطْلِقَ فِيهِ اسْمُ الْفَاحِشَةِ كَانَ زِنًا, وَمَا كَانَ مِنْ وَطْءٍ عن عقد فاسد فإنه لا يسمى

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 145
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست