نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3224
ويعرفون أن تقسيم الأوقات بين الليل والنهار بهذه النسبة على سطح هذا الكوكب عامل رئيسي لوجود الحياة وبقاء الأحياء وأنه لو لم توجد هاتان الظاهرتان بهذا القدر وعلى هذا النظام لتغير كل شيء على هذه الأرض، وبخاصة تلك الحياة الإنسانية التي تخص المخاطبين. من الأحياء! ومن ثم تزداد هاتان الظاهرتان أهمية في الحس البشري ولا تنقصان! «وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» ..
والرزق قد يكون المقصود به هو الماء النازل من السماء. كما فهم منه القدماء. ولكن رزق السماء أوسع.
فهذه الأشعة التي تنزل من السماء ليست أقل أثرا في إحياء الأرض من الماء. بل إنها لهي التي ينشأ عنها الماء بإذن الله. فحرارة الشمس هي التي تبخر الماء من البحار فتتكاثف وتنزل أمطارا، وتجري عيونا وأنهارا وتحيا بها الأرض بعد موتها. تحيا بالماء وتحيا بالحرارة والضياء سواء! «وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ» ..
وهي تمضي شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا، منحرفة ومستقيمة، دافئة وباردة، وفق النظام الدقيق المنسوق المقصود في تصميم هذا الكون العجيب وحساب كل شيء فيه حسابا دقيقا لا يترك شيئا للمصادفة العمياء..
ولتصريف الرياح علاقة معروفة بدورة الأرض، وبظاهرتي الليل والنهار، وبالرزق الذي ينزل من السماء.
وكلها تتعاون في تحقيق مشيئة الله في خلق هذا الكون، وتصريفه كما أراد. وفيها «آياتٌ» معروضة في الكون.
ولكن لمن؟
«لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» ..
فللعقل هنا عمل، وله في هذا الميدان مجال.
هذه بعض آيات الله الكونية، يشير إليها هذه الإشارات الموحية للمؤمنين. الذين يوقنون والذين يعقلون.
يشير إليها بآيات الله القرآنية، فتلمس القلوب، وتوقظ العقول، وتخاطب الفطر بلغتها المباشرة، بما بينها وبين هذا الكون من صلة عميقة باطنة، لا يحتاج إيقاظها إلا إلى كلمات موحية كآيات هذا القرآن. فمن لم يؤمن بهذه الآيات فلا رجاء في أن يؤمن بسواها ومن لم توقظه هذه الإشارات الموحية فلن توقظه الصرخات من غير هذا الصوت المستجاب:
«تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ؟» ..
إن أي كلام لن يبلغ كلام الله في القرآن. وإن أي إبداع لن يبلغ إبداع الله في الكون. وإن أية حقيقة لن تبلغ حقيقة الله في الثبوت والوضوح واليقين. «فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ؟» ..
وهنا لا يليق بمن لا يؤمن إلا التهديد والتنكيل:
«وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها. فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً، أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ، وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» ..
وتصور هذه الآيات- كما أسلفنا في تقديم السورة- جانبا من استقبال المشركين لهذه الدعوة في مكة، وإصرارهم على باطلهم، واستكبارهم عن سماع كلمة الحق البين، ومكابرتهم في هذا الحق كأنه لم يطرق
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3224