responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3213
«وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ» ..
وابتليناهم بالنعمة والسلطان، والتمكين في الأرض، والإملاء في الرخاء، وأسباب الثراء والاستعلاء.
«وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ» ..
وكان هذا طرفا من الابتلاء، ينكشف به نوع استجابتهم للرسول الكريم، الذي لا يطلب منهم شيئا لنفسه إنما يدعوهم إلى الله، ويطلب إليهم أن يؤدوا كل شيء لله، وألا يستبقوا شيئا لا يؤدونه من ذوات أنفسهم يضنون به على الله:
«أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ. وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ» ..
إنها كلمات قصيرة تلك التي جاءهم بها رسولهم الكريم- موسى عليه السّلام:
إنه يطلب إليهم الاستجابة الكلية. والأداء الكامل. والاستسلام المطلق [1] . الاستسلام المطلق لله. الذي هم عباده. وما ينبغي للعباد أن يعلوا على الله. فهي دعوة الله يحملها إليهم الرسول، ومعه البرهان على أنه رسول الله إليهم. البرهان القوي والسلطان المبين، الذي تذعن له القلوب وهو يتحصن بربه ويعوذ به أن يسطوا عليه وأن يرجموه. فإن استعصوا على الإيمان فهو يفاصلهم ويعتزلهم ويطلب إليهم أن يفاصلوه ويعتزلوه. وذلك منتهى النصفة والعدل والمسالمة.
ولكن الطغيان قلما يقبل النصفة، فهو يخشى الحق أن يظل طليقا، يحاول أن يصل إلى الناس في سلام وهدوء. ومن ثم يحارب الحق بالبطش. ولا يسالمه أبدا. فمعنى المسالمة أن يزحف الحق ويستولي في كل يوم على النفوس والقلوب. ومن ثم يبطش الباطل ويرجم ولا يعتزل الحق ولا يدعه يسلم أو يستريح! ويختصر السياق هنا حلقات كثيرة من القصة، ليصل إلى قرب النهاية. حين وصلت التجربة إلى نهايتها وأحس موسى أن القوم لن يؤمنوا له ولن يستجيبوا لدعوته ولن يسالموه أو يعتزلوه. وبدا له إجرامهم أصيلا عميقا لا أمل في تخليهم عنه. عند ذلك لجأ إلى ربه وملاذه الأخير:
«فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ» ..
وماذا يملك الرسول إلا أن يعود إلى ربه بالحصيلة التي جنتها يداه؟ وإلا أن ينفض أمره بين يديه، ويدع له التصرف بما يريد؟
وتلقى موسى الإجابة إقرارا من ربه لما دمغ به القوم.. حقا إنهم مجرمون..
«فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ. وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ» ..
والسرى لا يكون إلا ليلا، فالنص عليه يعيد تصوير المشهد، مشهد السرى بعباد الله- وهم بنو إسرائيل.
ثم للإيحاء بجو الخفية، لأن سراهم كان خفية عن عيون فرعون ومن وراء علمه. والرهو: الساكن. وقد أمر الله موسى- عليه السّلام- أن يمر هو وقومه وأن يدع البحر وراءه ساكنا على هيئته التي مر هو وقومه فيها، لإغراء فرعون وجنده باتباعهم، ليتم قدر الله بهم كما أراده: «إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ» .. فهكذا ينفذ قدر الله من خلال الأسباب الظاهرة. والأسباب ذاتها طرف من هذا القدر المحتوم.

[1] هناك تفسير آخر لقوله تعالى: «أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ» . أي أعطوني بني إسرائيل عباد الله. وأدوهم إلي ولا تحجز وهم للسخرة والعذاب.
وذلك كقوله: «أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ ولا تعذبهم» . [.....]
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3213
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست